الرياض تسير على الممر الصيني – الباكستاني: هل تعرقل واشنطن هذا المسار؟

د. أيمن عمر*
في ظل التحوّلات السريعة في النظام الدولي وصعود القوى الاقتصادية الجديدة، تسعى المملكة العربية السعودية لتعزيز نفوذها الاقتصادي والاستراتيجي، بما يتماشى مع رؤية 2030. ويُعدّ الممر الاقتصادي الصيني– الباكستاني (China–Pakistan Economic Corridor – CPEC) فرصة رئيسية للرياض لتحقيق هذا الهدف، إذ يشكّل جسراً حيوياً يربط غربي الصين بميناء "غوادَر Gwadar"، الذي يقع في إقليم بلوشستان جنوب غربي باكستان، على ساحل بحر العرب، بالقرب من الحدود مع إيران. وتتجلّى أهمية هذا المسار بشكل أكبر على ضوء التوترات الإقليمية الأخيرة...
نظرة عامة على الممر الاقتصادي الصيني – الباكستاني
تُقدَّر الاستثمارات الأولية في CPEC بأكثر من 60 مليار دولار، تشمل تطوير شبكة طرق وسكك حديدية تمتدّ لحوالي 3,000 كيلومتر، إلى جانب مشاريع طاقة متنوعة، وتحديث ميناء غوادَر وتحويله إلى مركز لوجستي وتجاري إقليمي، إضافة إلى إنشاء مناطق صناعية خاصة. وبفضل هذه المقوّمات، أصبح الممر منصّة جاذبة لدول تبحث عن تعزيز وجودها في آسيا، بما في ذلك السعودية.
السعودية في قلب الشرق
تتقاطع مصالح المملكة العربية السعودية مع CPEC من خلال التحالف مع باكستان وطموحات رؤية 2030. أبرز هذه الدوافع والفرص للمملكة، هي:
1. تعزيز التحالف السعودي – الباكستاني
يشكّل الممر فرصة لتعميق التعاون الاقتصادي بين الرياض وإسلام آباد، حيث تتحوّل السعودية من شريك داعم إلى لاعب فاعل في تطوير البنية التحتية والاقتصاد الباكستاني عبر مشاريع مشتركة في غوادَر.
2. تنويع الشراكات الدولية والخيارات الاستراتيجية الاقتصادية
يتيح CPEC للسعودية إنشاء مثلث استراتيجي مع باكستان والصين، ما يمنحها قدرة أكبر على المناورة ضمن نظام دوليّ متعدّد الأقطاب. هذا التنويع يقلّل الاعتماد على التحالفات الغربية التقليدية، ويمنح المملكة خيارات اقتصادية وسياسية جديدة لتعزيز نفوذها الإقليمي والدولي.
3. الاستفادة من الموقع الاستراتيجي لميناء غوادَر
يمثّل غوادر منفذاً جديداً لتصدير النفط والبتروكيماويات السعودية إلى الأسواق الآسيوية، ويقلّل الاعتماد على الممرات التقليدية مثل مضيق هرمز، ويعزز التعاون السعودي – الباكستاني في تأمين طرق الطاقة والتجارة.
4. الاستثمار في الطاقة والبنية التحتية
تعتزم السعودية الاستثمار في مصفاة نفطية بـ 10 مليارات دولار في ميناء غوادَر ببلوشستان، بالإضافة إلى مشاريع في الطاقة والصناعات التحويلية، ما يفتح أسواقاً جديدة للصادرات السعودية ويدعم الاقتصاد الباكستاني.
5. الوصول إلى أسواق آسيا الوسطى وتوطين الصناعات
توفّر المناطق الاقتصادية الخاصة المرتبطة بالممر فرصاً لتوطين صناعات سعودية في باكستان، ما يعزّز التكامل التجاري والصناعي بين البلدين ويوسّع نطاق الصادرات غير النفطية.
التحدّيات الجيوسياسية والضغوط الدولية
رغم الفرص، يواجه التحالف السعودي – الباكستاني والاستفادة من الممر تحدّيات أساسية مرتبطة بالبيئة الجيوسياسية:
• الضغوط الأميركية: العلاقة الاستراتيجية مع واشنطن تضع السعودية أمام تحدّي موازنة المصالح بين الحلفاء التقليديين والشركاء الجدد، إذ قد تُفسّر المشاركة في CPEC كابتعاد عن المحور الغربي.
• دور الصين: الصين شريك اقتصادي رئيسي لباكستان، ووجودها في الخليج يعقّد المعادلة، إذ تحتاج السعودية إلى إدارة توازن دقيق بين الانفتاح على بكين والحفاظ على العلاقة الحيوية مع واشنطن.
• الأمن والاستقرار الإقليميين: الوضع الأمني في بلوشستان وتأثير التوترات الإقليمية على مسار الممر قد يؤثّر على المشاريع المشتركة.
يمثّل التحالف السعودي - الباكستاني وممر CPEC فرصة للرياض لتعزيز شراكتها مع باكستان والصين، وتحويل التحالف مع باكستان إلى منصّة اقتصادية وسياسية وأمنية استراتيجية في قلب آسيا.
*أكاديمي وباحث اقتصادي
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.