صرخة صلاة و احتجاج معاً من قلب كاهن لبناني إلى قلب البابا

الخوري فادي سميا
قداسة الأب الأقدس،
أكتب إليك من لبنان، من قلب وطن يئنّ بين الركام والسياسة الفاسدة، بين الانقسام والطوائف، بين الخوف من المستقبل والأمل الذي ما زال يقاوم. هذا البلد الذي ارتوت أرضه بالدموع والحرائق والانفجارات، ما زال يرفع يديه إلى السماء طالباً شفاءً ورحمة، لا فقط لنفسه، بل لكل شرقٍ يعرف معنى الجروح والصبر.
زيارتك، يا خليفة بطرس، ليست مجرد حدث ديبلوماسي، بل صرخة حبّ، إعلان رجاء، فرصة لتذكير العالم بأن لبنان لا يزال يحيا بالإنسان، لا بالسياسة، ولا بالبيروقراطية اللبنانية. نحن ننتظرك لتشهد على الأرواح التي لم تُدفن بعد: الأمهات اللواتي يفتشن بين الأنقاض عن أبنائهن، الشباب الذين يغادرون بأجسادهم ويبقون بأرواحهم، الكهنة الذين يوزعون الخبز بلا خبز، والرجاء بلا معجزات.
قداسة البابا، لبنان اليوم يحاول أن يعيش قيامة يومية: يبتسم رغم الديون المتراكمة، أن يصلّي رغم الأزمات الخانقة، أن يحبّ رغم الانقسامات الشاذة. ونحن نحتاج إليك أن تقول بصوتٍ راعد: الله لم ينسَكم، وقيامة الأبناء لا تزال ممكنة.
"إن لم تقع حبّة الحنطة في الأرض وتمت، فهي تبقى وحدها، وإن ماتت أتت بثمرٍ كثير" (يو 12:24). هكذا لبنان: حبّة حنطة صغيرة ماتت كثيراً، لكنها تنتظر مع كل نفس تَعِبٍ أن يأتي يوم الثمر.
تعال، أيها الأب الأقدس، إلى وطن يعرف أن يسقط واقفاً ويقوم من جديد، إلى أرض علّمت العالم معنى الألم والرجاء معًا. لا تنظر فقط إلى المرفأ المدمّر، بل إلى الأرواح، إلى الكنائس، إلى القلوب التي تنبض رغم كل الخيبات.
زيارتك قد لا تغيّر السياسة، لكنها تُحيي الإيمان. قد لا تبني دولة، لكنها تُقيم الإنسان من موت بطيء. نحن ننتظرك ليس كزعيم عالمي، بل كأب يقول: الله ما زال يثق بكم، ورغم كل شيء، الروح يهّب حيث يشاء والقيامة ممكنة.
من لبنان الجريح، من كنيسة تتنفس على رجاء هبوب روح قُدس فيها و قيامة، أرفع إليك هذه الصرخة: صلاة واحتجاج معاً، على رجاء أن يتحوّل وجعنا إلى وعي جديد، وموتنا إلى فجر قادم.
على رجاء القيامة، رغم كل شيء