مأزق خامنئي بعد غزّة!

د. عاصم عبد الرحمن
لم يكن الإعلان عن وقف النار في غزّة برعاية أميركية ودعم أممي ودولي واسع، حدثاً عابراً في سياق الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، بل محطة كشفت حجم المأزق الذي يعيشه النظام الإيراني. فبينما رحّبت غالبية العواصم الكبرى بالاتفاق باعتباره خطوة ضرورية لوقف نزيف الدم وفتح الباب أمام مسار سياسي جديد، برز الموقف الإيراني في الاتجاه المعاكس، بحيث وصفت صحيفة "كيهان"، اللسان غير الرسمي للمرشد علي خامنئي المبادرة بأنها "مخطط لإنقاذ إسرائيل". هذا الرفض لم يكن دفاعاً عن المقاومة بقدر ما عكس فقدان طهران أحد أهم أدواتها في المناورة الإقليمية.
التدخل الإيراني: دعم أم ورقة نفوذ؟
التقارير الأممية والأوروبية والأميركية لطالما وثّقت دور "فيلق القدس" في تهريب السلاح إلى غزة ولبنان واليمن. غير أن هذا الدعم لم يكن يوماً عملاً مبدئياً في خدمة القضية الفلسطينية، بل ورقة للضغط والمساومة مع القوى الكبرى، ومحاولة لإثبات الحضور الإيراني في كل أزمة شرق أوسطية. فكلما ارتفعت حرارة الجبهات، بدا أن طهران تملك ما تلوّح به. أما الآن، ومع انطفاء نار غزة، فقد خسر خامنئي ورقته الأبرز.
الداخل الإيراني: أزمات بلا أفق
المأزق يزداد تعقيداً على الصعيد الداخلي. الاقتصاد الإيراني يرزح تحت تضخم يفوق 45% بحسب بيانات البنك المركزي، والعملة المحلية فقدت جزءاً كبيراً من قيمتها، فيما تتواصل الأزمات المعيشية التي طاولت كل الطبقات الاجتماعية. وإلى جانب ذلك، لم تهدأ الاحتجاجات الشعبية منذ 2022، إذ شهدت المدن الإيرانية موجات غضب متكررة على خلفية قضايا سياسية وحقوقية واقتصادية. هذه الاحتجاجات هزّت صورة النظام وأظهرت هشاشة قبضته الأمنية، رغم محاولات القمع المستمرة.
المعارضة الإيرانية: حضور متصاعد
في الخارج، صعّدت المعارضة من تحرّكاتها. فقد عرض "المجلس الوطني للمقاومة الإيرانية" في واشنطن وبروكسل وثائق دقيقة عن شبكات تمويل الميليشيات المدعومة من طهران وتسليحها، ما عزّز القناعة الدولية بأن الدور الإيراني ليس سوى مشروع لتخريب الاستقرار الإقليمي. وعلى هامش اجتماعات الجمعية العامة في نيويورك، تظاهر آلاف الإيرانيين رافعين شعارات لافتة: "لا للقنبلة النووية، نعم لإيران حرّة"، في رسالة مباشرة إلى المجتمع الدولي مفادها أن البديل عن النظام قائم وحاضر.
المأزق الاستراتيجي
مع توقّف الحرب في غزة، يجد خامنئي نفسه أمام معادلة خاسرة: في الخارج لم تعد ورقة "المقاومة" قادرة على ابتزاز القوى الدولية، وفي الداخل يتراكم الغضب الشعبي مع الانهيار الاقتصادي. حتى الحلفاء التقليديون من ميليشيات المنطقة باتوا عبئاً أكثر منهم رصيداً، إذ إن تمويلهم بات يستنزف خزينة الدولة ويزيد من عزلة إيران الديبلوماسية.
إلى أين يتجه النظام؟
كل ذلك يضع النظام الإيراني أمام سؤال وجودي: هل يستمر في النهج نفسه، أي تصدير الأزمات والتمسك بالمشروع النووي، وهو ما يعني مزيداً من العزلة والعقوبات وربما مواجهة عسكرية؟ أم يرضخ لضغوط الداخل والخارج ويذهب إلى مراجعة جذرية تفتح الباب أمام تغيير في السياسات وربما في بنية النظام ذاته؟
في الحالتين، لم يعد خامنئي يملك هامش المناورة الذي طالما استفاد منه. مأزقه اليوم هو فقدان السلاحين معاً: ورقة النفوذ الإقليمي من جهة، والقدرة على ضبط الداخل من جهة أخرى. وبين مطرقة الضغوط الدولية وسندان الغضب الشعبي، يبدو أن النظام يقترب من لحظة الحقيقة.
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية