طفلٌ مسروق

منبر 06-10-2025 | 12:47

طفلٌ مسروق

في الخامس عشر من أيار 1948 وُلد طفل، لكنّ القابلة لم تبتسم، والسماء لم تُزغرد. امتدّت أيادٍ سوداء، سرقته من مهده قبل أن يرضع، قبل أن يبتسم، قبل أن ينطق اسم أمه وأبيه.
طفلٌ مسروق
من النكبة قبل77 عاما
Smaller Bigger

ريمي الحويك 

 

 

في الخامس عشر من أيار 1948 وُلد طفل، لكنّ القابلة لم تبتسم، والسماء لم تُزغرد. 
امتدّت أيادٍ سوداء، سرقته من مهده قبل أن يرضع، قبل أن يبتسم، قبل أن ينطق اسم أمه وأبيه.
منذ لحظة الميلاد وهو يتقلّب بين القيود والجلادين، يُضرَب من الغريب، ويُطعن من القريب، يُحاصر بالخذلان، ويُجرَّد من الخبز والماء والسماء.
منذ لحظة ولادته، أُلقِي في قبوٍ من حديد ونار. سبعة وسبعون عاماً والقيود تجرح معصميه، والسياط تنهال على ظهره من كل صوب، الغريب يجلده، والقريب يبيعه، والعالم كلّه يقف متفرّجاً على صرخته المبحوحة.

 

كبر الطفل وسط الدخان، يلهو برصاصة اخترقت كتفه، ينام على ركام بيت، ويستيقظ على جنازة أمّ،
ويتعلّم القراءة من أسماء الشهداء المكتوبة على الجدران.
كبر الطفل والدمع وسادته، والبارود لعبته، والريح أمّه وأبوه.
كلّ جرح على وجهه صار خريطة،
كلّ ندبة على صدره صارت نشيداً،
كلّ دمعة في عينيه صارت نهراً يبحث عن مصبّ في الحرية.
اليوم، بعد سبعة وسبعين عاماً من الجرح، يقف الطفل وقد شاخ، يُخاطب العالم وعيناه تحملان دماء الماضي وغبار الزمن، وحنجرته الكهلة تئنّ بصمت الخيبة، ودموعه تتساقط على تعرُّجات وجهه كخيوط من حزن لا ينتهي:
حلمتُ أن يدي الصغيرة تحتضن دمية، لا أن ترتجف تحت وابل القنابل.
رأيتُ طريقي مرسوماً نحو مدرسةٍ تفتح أبوابها للشمس، لا نحو حفرةٍ تنغلق عليّ بالتراب.
تمنّيتُ أن تُعلَّق شهادتي على جدار بيتٍ يضحك لا أن تُكتب على شاهد قبرٍ صامت. 
كنتُ أريد أن ينهمر الأرزُّ في الفرح مثل مطرٍ أبيض، لا أن يتناثر على التوابيت مثل رمادٍ أسود.
كنتُ أريد أن يزهر قلبي حبّاً، لا أن يذبل مثل وردةٍ نُسيت على أطراف مقبرة.
كنتُ أريد ثوباً جديداً بلون العيد، لا كفناً يلتفّ حول صمتي الأخير.
أردتُ أن يُكتب اسمي على دفاتر الزمن، لا على خشب تابوتٍ محمول على أكتاف الحزن.
أردتُ الحياة قبل أن يطرق الموت بابي.
أنا فلسطين، أبي فلسطيني، أمّي فلسطينية … سرقوني رضيعاً، عذّبوني دهراً، أحرقوا حقولي، هدموا بيتي، قتلوا أخوتي، لكنني لم أمت.
أنا الجرح الذي لا يندمل،
أنا الصرخة التي لا تموت،
أنا الوطن الذي سيعود ولو فوق جثث الطغاة.
أنا لست خريطة على ورق، ولا نشرة أخبارٍ عابرة، أنا طفلٌ مسروق، شيخٌ صابر، أمٌّ ثكلى، وقبرٌ مفتوح ينتظر أن يُردم بالحرية.
أنا كهلٌ طوى سبعةً وسبعين عاماً من الجراح على كتفَيه...
دعوني أرحل بسلام…وأعيدوا لأحفادي حقّ الحياة.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 11/22/2025 12:24:00 PM
حرّر محضر بالواقعة وتولّت النيابة العامة التحقيق.
اقتصاد وأعمال 11/20/2025 10:55:00 PM
الجديد في القرار أنه سيتيح للمستفيد من التعميم 158 الحصول على 800 دولار نقداً إضافة إلى 200 دولار عبر بطاقة الائتمان...
سياسة 11/20/2025 6:12:00 PM
الجيش اللبناني يوقف نوح زعيتر أحد أخطر تجّار المخدرات في لبنان
سياسة 11/22/2025 12:00:00 AM
نوّه عون بالدور المميّز الذي يقوم به الجيش المنتشر في الجنوب عموماً وفي قطاع جنوب الليطاني خصوصاً، محيّياً ذكرى العسكريين الشهداء الذين سقطوا منذ بدء تنفيذ الخطّة الأمنية والذين بلغ عددهم 12 شهيداً.