المؤسسات الاقتصادية بين الإدارة الرشيدة والفساد الإداري

ميلاد رفقة - أستاذ اقتصاد
تلعب المؤسسات الاقتصادية دوراً محورياً في تنمية الاقتصاد الوطني من خلال إدارة الموارد، خلق فرص العمل، وجذب الاستثمارات. غير أن هذه المؤسسات، مهما بلغت قوتها، تبقى رهينة أسلوب إدارتها. فحين يقودها مدير كفوء يلتزم بالشفافية والمساءلة، تصبح قاطرة للنمو والتنمية. أما إذا تولّى إدارتها شخص فاسد، فإنها تتحول إلى عبء على الاقتصاد ومصدر لاستنزاف المال العام.
المدير الفاسد يستخدم سلطته لتحقيق مكاسب شخصية عبر الرشاوى، والتلاعب بالعقود. هذا السلوك لا يضر المؤسسة فقط، بل يُضعف ثقة الموظفين ويُحبط الكفاءات، ويدفع المستثمرين إلى الابتعاد عن بيئة عمل غير آمنة. كما ترتفع كلفة المشاريع بسبب العمولات غير المشروعة، ما يؤدي إلى سوء تخصيص الموارد وتراجع الإنتاجية.
وتشير تقارير البنك الدولي إلى أن ضعف الإدارة وارتفاع مستوى الفساد الإداري يقتطع من الناتج المحلي الإجمالي للدول النامية ما بين 2% و5% سنوياً، وهو رقم يعكس حجم الخسارة التي تُمنى بها الاقتصادات نتيجة غياب الحوكمة الرشيدة.
في المقابل، فإن إصلاح المؤسسات يبدأ من إصلاح الإدارة. فوجود أنظمة رقابة مستقلة، وإدارة إلكترونية شفافة، وقوانين واضحة للمساءلة، كلها عوامل تحدّ من سلطة المدير الفاسد وتعيد الثقة إلى المؤسسة.
إن نجاح المؤسسات الاقتصادية لا يُقاس فقط بحجم رأسمالها أو عدد موظفيها، بل بمدى نزاهة إدارتها. فالمدير الفاسد قادر على تقويض أقوى المؤسسات، في حين أن القيادة الرشيدة تستطيع تحويل أبسط الموارد إلى قصص نجاح تُعزز التنمية المستدامة.