ميكانيزم الشتاء

م. ريبال الياس سميا

جزءٌ كبيرٌ من الرأي العام المحلّي القَلِق، مشغولٌ اليوم بأخبار لجنة الميكانيزم التي تتصدّر الجزء الكبير من الساحة الإعلاميّة. حركة الموفدين، نقاط البحث، والأهمّ الذي يشغل بال قسم كبير من اللبنانيين، هو مقرّرات هذه الاجتماعات، وتداعياتها على الساحة الداخلية، حاضراً و مستقبلاً.

وتوازياً مع أخبار لجنة الميكانيزم، هناك أخبار مُقلِقة من نوعٍ آخر، بدأت تتسلّل إلى طاولات اجتماعات اللبناني اليوميّة وهي: ميكانيزم الشتاء القادم. "البواحير والمستقرضات" حديث الساعة، نبتة "بصلة الفأر" تحتلّ البند الثاني، وهي في التقليد إن أزهرت قبل عيد الصليب، فهي تنبئ بموسم شتاءٍ بارد. الاجتماعات بعد قدّاس الأحد، والمناقشات في ساحة القرية، وتوصيلة التاكسي، كلّها أخبار عن أزمة المياه والحاجة إلى شتاء "قويّ" هذه السنة للتعويض عن السنة الماضية. فأخبار شحّ المياه وجفاف بحيرات التجميع في الصيف الماضي، استنفرت دعوات "إم طوني" التي على غير عادتها هذه السنة، تدعو لشتاء عاصفٍ ومُثلِجٍ لإبعاد شبح الجفاف اللئيم.

قطع الأشجار للتدفئة يدمر الطبيعة

تحضيرات مؤونة التدفئة بدأت، من تعبئة خزانات المازوت، مروراً بقارورة الغاز، وصولاً إلى شراء وتجميع الحطب أنيس ليالي الشتاء المفضّل. فمؤهّلات الحطب، التقنيّة والاقتصاديّة، تجعله مصدر تدفئة مرغوباً جداً، ما يزيد الطلب عليه، وبالتالي يزيد من كميّة استهلاكه، ما ينعكس على عمليّات قطع الأشجار غير القانونيّة، التي يشاهدها بوتيرة شبه يوميّة سالك الطرق الفرعيّة في المناطق الحرجيّة.

فكميّة الأشجار الكثيرة التي تُقطع بحجّة "التشحيل"، وعمليّات قطع الأشجار العشوائيّة التي تحصل بدون أيّ رقابة، تلحق ضرراً كبيراً بالغابات والأحراج، ما ينعكس سلباً، في المستقبل، على الثروة الحرجيّة، الحيوانيّة والمائيّة. فهذه الأشجار فضلاً عن كونها ثروة وطنيّة، هي رِئَةٌ بيئية، ووجهة سياحيّة متنوّعة تساعد على إنماء القرى، وتنشيط المؤسّسات السياحيّة الفرديّة الصغيرة، من بيوت ضيافة، ومطاعم... وهي أيضاً موطنٌ للحيوانات المحليّة، ومحطّات استراحة للطيور المهاجرة، التي تساعد في الحفاظ على التوازن البيئي. وهي أيضاً تؤدّي دوراً بارزاً في المحافظة على المياه الجوفية؛ فهي تخفّف من جريان مياه الأمطار السطحيّ، ما يساعد على تسرّبها داخل الأرض، وتخفّف من تآكل التربة والانزلاقات، ما يساعد المياه على الوصول إلى الخزانات الجوفيّة. واللائحة تطول وتطول.

فالمحافظة على الثروة الحرجيّة واجبٌ وطنيٌّ على كلّ مواطن في المجتمع التحلّي به، بالتعاون والتنسيق مع الجهات المعنيّة الرسميّة. فالبلديّات هي خطّ التماس الأول بين المواطن والطّبيعة. لأنّ البلديّة تعرف كلّ التفاصيل المحليّة الدقيقة في مناطق امتدادها الإداريّ. وهي السلطة المخوّلة التنسيق مع الوزارات المعنيّة، وهي التي تملك الإمكانيات والموارد البشرية والآليّات، وهي صاحبة السلطة القانونيّة المحليّة بإدارة هذه الثروة وحمايتها. فالتشدّد في تطبيق قوانين البناء، ومراقبة عمليّات الحَفر، ومراقبة رمي النفايات، وتنظيم حملات التوعية، وإزالة المخلّفات والمخالفات، وسنّ القوانين، والتعاون مع الجمعيات البيئية والمبادرات الفرديّة التي تُعنى بالنشاطات في الطبيعة؛ من نوادٍ للمشي والتخييم، والتي تقوم بعمل جبّار في الإضاءة والتوعية على الطبيعة، و الأمثلة كثيرة، منها أخيراً افتتاح درب مار شربل للمشي...

الثروة الحرجيّة هي مصدرُ ثروةٍ وطني مُستدام، إذا اعتُني بها وأديرت بطريقة علمية، فهي بالإضافة إلى فوائدها البيئيّة والطبيعية، تساعد على تنشيط الدورة الاقتصادية، وخلقِ فرصِ عملٍ جديدة، وتثبيت السكّان في قُراهم، وتعزيز اللامركزيّة الإنمائيّة.

الشتاء على الأبواب، وبورصة الحطب "ولعَانِة"! البَردُ عدوٌّ لا يرحم، ودَعواتُ إم طوني لا تخيب! الثروة الحرجيّة لا تقلّ أهميّةً عن ثروات المعادن والوقود؛ فلنحافظ عليها، كي يصبح بالإمكان أن نقول لأجيال المستقبل مع مار بولس: "قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الإِيمَانَ،" (2 تي 4: 7).

اللهمّ، شتاءً مليئاً بالأمطار والثلوج!

- المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.