سمر في شوارع بيروت

ريتا الشيخ
تحت الشمس الحامية وعلى مقربة من الأمواج المتراقصة، تتكيء على الدرابزين طفلة لا يتعدى عمرها 7 سنوات. تمسح جبينها من شدة الأرهاق، فالعمل بالشوارع ليس سهلاً.
كل يوم في المكان والزمان نفسيهما أصادف سمر على الكورنيش بين السيارات وعلى أرصفة الطرق تلاحق هذا وهذه، علها تحصل على مكافأة مالية تنقذها من الجوع والعطش وسيطرة الأهل.
تحت أغصان الشجر ألأخضر تجلس لترتاح وتغفو عند جذع شجرة على رصيف الطريق تنتظر جدتها، تأتي اليها آخر النهار وتعطيها ما حصّلته في وضح النهار بعد المشي الشاق. وأنا كالعادة كل يوم ارتاد الكورنيش البحري للمشي والهرولة. وإذ تقترب نحوي فتاة نحيلة ذات وجه شاحب ترتدي شحاطة أكبر من مقاس رجلها. تنظر الي بعيون حزينة تتوسل إعطاءها اي شيء، أنحني لكي اكون بمستوى قامتها الصغيرة فأسألها عن إسمها؟ بضحكة خفيفة تقول "سمر بس جدتي تناديني ست السمرات". فتشد على يدي تريد أن ترافقني أن تركض معي، لكنها لا تستطيع فالشحاطة مقطعة بين أصابعها الجافة، أما عيناهاا الصغيرتان فضائعتان حائرتان بين الشوارع.
باتت تنتظرني كل يوم في المكان نفسه قرب الشجرة حيث أجتاز الشارع، تراني من بعيد تهرول نحوي أحاول أن أقف لكي لا تركض، أخاف عليها من السيارات من الموتوسيكلات، كل شيء خطير من حولها. أمسكت يدها الصغيرة واجتزنا الطريق وصلنا الي ماكدونالدز طلبت البرغر رفضت الجلوس داخل المطعم، فأوصلتها الي مقعد الكورنيش حيث عالمها وتركتها تأكل فرحة بطعامها.
ذات يوم سألتها اين امك؟ لم تجبني بقيت صامتة. هل تعرفينها؟ لا ترد. تشير بإصبعها هذه جدتي هناك تمشي . سألتها هل تحبين أقلام التلوين، فأومأت برأسها نعم .هل تذهبين الي المدرسة؟ أجابت لا. ليست سمر وحدها من يعيش طفولة الشوارع، هناك الكثير من الأطفال المشردين مثلها. هذه الطفلة تعاني الكثير وما زالت طفلة، أين مصيرها في الشوارع، في عتمة الليل بين الوحوش في الشتاء والبرد القارس، بين السيارات والكلاب الشرسة؟ من يحمي طفولة مشردة جائعة تفتقر الي الكثير من الأمان والاستقرار والحب والحنان؟
المخيف أن تتحول سمر الي طفلة محتالة! لأن من يُدرِّب على الشحادة (التسوّل) يمحو براءة الأطفال. ها هي كلما رأتني تركض نحوي كالعصفورة فاتحة ذراعيها فتضمني بلهفة، تشعرني بأنني منقذتها. اليوم ستأخذ المال لأهلها ولن تعود فارغة ولن تتلقى عقابها ككل يوم. ستنام من دون دموع ولن تشعر بالألام في جسدها المحرور، فعصا جدتها ثقيلة وقاسية وستحلم بيوم جديد أن المنقذة لن تتركها.