"وَلَسنا نَأتي بِمَعثَرَةٍ في شَيءٍ، لِئَلاَّ يَلحَقَ خِدمَتُنا عَيب"

منبر 29-09-2025 | 10:11

"وَلَسنا نَأتي بِمَعثَرَةٍ في شَيءٍ، لِئَلاَّ يَلحَقَ خِدمَتُنا عَيب"

في إطار دفاعه عن خدمته، يتحدّث بولس الطرسوسيّ عن أنّه خادمٌ لله "في كلِّ شيء". وهو مستعدّ لتحمُّل أيّ شيء في سبيل الإلَه وأحبابه، من "ٱلصَّبرِ ٱلكَثيرِ وَٱلمَضايِقِ وَٱلضَّروراتِ وَٱلمَشَقّاتِ، وَٱلجَلَداتِ وَٱلسُّجونِ وَٱلإِضطِراباتِ، وَٱلأَتعابِ وَٱلأَسهارِ وَٱلأَصوامِ" ... "لِئَلاَّ يَلحَقَ خِدمَتُنا عَيب". 
"وَلَسنا نَأتي بِمَعثَرَةٍ في شَيءٍ، لِئَلاَّ يَلحَقَ خِدمَتُنا عَيب"
تعبيرية (مواقع تواصل)
Smaller Bigger

إيلي جورج قنبر

 

 

 

1."نُظهِرُ أَنفُسَنا كَخُدّامِ ٱللهِ في كُلِّ شَيء"
1-1 في إطار دفاعه عن خدمته، يتحدّث بولس الطرسوسيّ عن أنّه خادمٌ لله "في كلِّ شيء". وهو مستعدّ لتحمُّل أيّ شيء في سبيل الإلَه وأحبابه، من "ٱلصَّبرِ ٱلكَثيرِ وَٱلمَضايِقِ وَٱلضَّروراتِ وَٱلمَشَقّاتِ، وَٱلجَلَداتِ وَٱلسُّجونِ وَٱلإِضطِراباتِ، وَٱلأَتعابِ وَٱلأَسهارِ وَٱلأَصوامِ" ... "لِئَلاَّ يَلحَقَ خِدمَتُنا عَيب". 
في هذا الإطار، إذا سألنا رؤساء الكنائس حول خدمتهم في الظروف الحالكة السَواد التي تتحكَّم بالناس عمومًا والكنائس التي يسُوسُون في عالمنا العربيّ، بِمَ يُجيبون ؟ وهل لدَيهم رؤية في الأساس؟  وإلى أيِّ حدٍّ هُم مُطَّلعون على ما يُحاك لبلداننا العربيّة، ووضعوا رؤيةً وحُططًا وبرامجَ للمواجَهة ولتَجذير شعوبهم "هُنا والآن" بالإمكانات التي بين أيديهم، وتحفيزهم للدفاع عن أرضِهم ومُقاوَمة الأشرار ومُحطَّطاتهم القَهريّة والتدميريّة والإباديّة والتجويعيّة والاقتلاعيّة؟

 

 

1-2 في سبعينيّات القرن العشرين، وفي أميركا الجنوبيّة، التزم بعضٌ من الكهنةبـ"الخيار التفضيليّ للفُقراء" بحسَب غوستافو غوتييريز[  Gustavo Gutiérrez 1928-2024]، أبو "لاهوت التحرير". فانخرطوا وإيّاهم في مُقاوَمة الاضطهاد والترويع والسَجن وتدمير بيوتهم أو أماكن عملِهم وأدواته. ثمّ انخرط تدريجيًّا أساقفةٌ لتلك الكنائس، وتَنادوا إلى مؤتَمرات تنظيريّة وعمليّاتيّة في پْوِيبْلَا ومِدِلّين خصوصًا، مُرنكزها "لاهوت التحرير". حُورِبوا من السلُطات "المَيدانيّة" التي أقامها الاستعمار الأميركيّ ومن أساقفة تابعين لهُ، ومن الكوريَا الرومانيّة، لا بل من البابا يوحنّا بولس الثاني نفسه. لكنّهم تابعوا النضال لقناعةٍ ذاتيّة يَدعمها إيمانهم بالمسيح يسوع (لوقا 4: 16-22) وشهادتهم له.
1-3 كذلك عرفت القارّة الإفريقيّة هي أيضا مساراتٍ مشابهة مع مفكِّرَين لامِعَين مْڤِينغ وتُوتُو. فقَد صاغَ إنجيلبيرت مْڤِينغ[  1995-1930 Engelbert Mveng] "لاهوت الحياة"، لِلتحرُّر من "الفَقر الأنثْروپولوجي" الذي يتجاوز الحاجة المادية ليَشمل فُقدان الهُوِّيَّة الثقافيّة والروحيّة أيضًا والناتج عن الاستعمار والعبودية[  أن التحرر السياسي وحده لا يكفي ما لم يُرافق بتحرر ثقافي وروحي واجتماعي اقتصادي، متفقاً في هذا مع فرانز فانون  Franz Fanon . ]. وفي كتابه "لاهوت التحرير الإفريقي" دعا الأُسقف ديزمونْد توتو إلى قراءة المسيحيّة من مَّنظورٍ افريقي، حيث التركيز على الهُوِّيَّة الوطنيّة والعمل على إحقاق العدالة الاقتصاديّة.
1-4 في ربوعنا العربيّة، هل نجِد بين أساقفتنا والكهنة مَن عمِل على تحرير الناس "هُنا والآن" كما في أميركا الجنوبيّة وفي أفريقيَا؟ سألت، فعرفت بمُحاولة لكتابة لاهوت سِياقيّ لبنانيّ "آنيّ، وسياسيّ، واقتصاديّ، وحضاريّ وثقافيّ"[  كما عرَّف عنه منشور لـ "معهد الدراسات الإسلاميّة والمسيحيّة" في "جامعة القدِّيس يوسف في بيروت". وذلك في سبعينيّات القرن العشرين]، قضَت في المَهد صبيّة. كما قامت محاولة عَيش لـ"جماعة قاعِديّة"[  Communaté de base، أي جماعة يلتزم أعضاؤها بعضهم ببعض في كلّ شيء] تستَوحي "لاهوت التحرير" في منطقة برج حمّود بحَيِّ صادر، لكنّ نفَس تلك العائلات لم يكُن "طويلًا"، فانطوَت الصفحة بعد أشهُر. وجاءني كاهنٌ بلجيكيٌّ [  في النصف الثاني من ثمانينيّات القرن العشرين] لِبَثّ نفَس"لاهوت التحرير" في لبنان. كان عرَف من أستاذي[  بمعهد القدّيس بولس للفلسفة واللاهوت  - حريصا في 1976] الأب سليم بسترُس أنّي تناولتُه في دراسة بمادّة الفلسفة السياسيّة. لم يُرِد البلجيكيّ أن يلتقي تلك الجماعة القاعِديّة لأنّ وُجهته كانت أساتذةٍ جامعيِّين يُنَظّرون ليسَ إلَّا. وقد باءت تجربته بالفشل بعد حين[  غادر إلى الهند ليَعيش فيها كراهبٍ بوذيّ.]. 
2."تَقَدَّم إِلى ٱلعُرضِ وَأَلقَوا شِباكَكُم لِلصَّيد"
نحيا "هُنا والآن" في ظِلِّ استعمارٍ يُنازِع ويَلطُم ويُزبِد، مُريدًا استغلالنا واستعبادنا واحتلال عقولنا وأراضينا وثرواتنا - الماديّة كما الذِّهنيّة. ماذا نقول وماذا نفعل؟ بدءًا، "من المهمّ أن لا يَضيع العقل[  خريستو المُرّ، الرُؤَى الضروريّة: التحرُّر من الهيمَنة، الأخبار، 23 ايلول 2025.] تحت عِبء الألم والقَهر" وأن "نتقدَّم إلى العُرض، وأن نُلقي شِباكنا للصَيد". ومن ثَمَّ أن نهتِف بأعلى الصوت:"هَيهات مِنَّا الذِلّة! وسَوفَ"نَبني ونُراكم مَواطن القوّة في منطقتنا" لنُواجِه "عنفًا أضخم بما لا يُقاس، عُنفَ الاستعمار الذي يُنشئ عُنفه على شكلِ مؤسَّساتٍ وبُنى"[  المرجع السابق.] ليبقى ويستمرّ !؟
ويبقى السؤال المركَزيّ: أين كنائِسُنا ورؤساؤها من الاستعمار الأميركيّ الغربيّ وإذلاله لها وللشعوب التي تنتمي إليها، وإخضاعه للجميع وقتله للأطفال والبالغين دون رحمة، وتدميره للبيوت والمصانع والمؤسَّسات، واستغلاله ونهبه للثروات، وفوق ذلك كلِّه إهانته لجَيشِنا ولقِوى الأمن؟
تميّزت سينودُساتنا بِقراءة الواقع بـ"نظّارات الماضي، وببَلادة فكريّة ومؤسَّساتيّة، تُعَوِّق قَونَنة المُقاومة الكنسيّة وتسيِيل التَوثُّب الكنسيّ إلى الأمام"[  المحامي كارول سابا، هل من شبكة أمان للكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة في زمن التحوّلات الجِيوسياسيّة الكبرى؟، النهار، 20 أيلول 2025. ]. لا بل هيَ لا تُتقِن قراءة"علامات الأزمنة"[  متّى 16: 3.] ولا اعتماد "سياسة القضايا"[  التعبير للمطران غريغوار حدّاد.]. الوَحدة بين الكنائس في خطَر مُحدِق جرّاء الجنوح الطائفيّ والمذهَبيّ في ما بينها، والمُواطَنة مُهَدَّدة بقُوّةٍ، والنزعة الذِّمِّيَّة تطفو على السطح، وجنون العظمة والنَرجسيّة لدى نتِن- ياهو يقودانه والمنطقة إلى حافَّة الهاوية. فأين "القيادات" الكنَسيّة من تْسُونامي الفَوقيّة والعُنف والقتل والدَّمار والإبادة  الجَماعيّة والتطهير العِرقيّ ؟ ماذا هي فاعلة؟
يُشير المحامي كارول سابا إلى أن يوحنّا بولس الثاني جمَع، غداة انتخابه حَبًراً أعظم، مجموعة "من الشخصيّات الدُوَليّة المُؤثِّرة" واستمع إلى"قراءاتها الإستراتيجيّة للأخطار وكيفيّة استِباقها وجَبهِها"، في إشارة يدعو فيها سينودس كنيسة الروم الأرثوذكس إلى الاقتداء بالبابا في الاستماع إلى مفكِّرين مُطَّلعين لِجَبْه الأخطار الراهنة والمُستَقبَليّة على كنيستهم[  المحامي كارول سابا، هل من شبكة أمان للكنيسة الأرثوذكسيّة الأنطاكيّة في زمن التحوّلات الجِيوسياسيّة الكبرى؟، النهار، 20 أيلول 2025. ]. أَذكُر أنّي حين كنتُ مساعِدًا خاصًّا للمطران اقترَحتُ عليه جمع مفكِّرين وساسَةٍ أسبوعيًّا من حوله لقراءة الواقع ورَفد الناس بكلمةٍ مفيدة في عظة الأحد. غير أنّه كان يتحسَّس التعاطي مع الساسة، فسَقَط الاقتراح ... 
لقد مرَّ رجلٌ في سماء العرب[  سياسيًا، مرَّ بالعرب رجُلان قاما بنَقلةٍ نَوعيّة، اغتالهما العدوّ نفسه هُما: جمال عبد الناصر وحسَن نصرالله.] قبل عُقود حاول نقل الكنيسة في لبنان إلى رحاب الفِكر التشاركيّ والقرار الجَماعيّ والعمل المُشترَك، "ائْتَمَروا عليه وعلى مسيحه" وقتلوه: كان اسمُه غريغوار حدّاد ! فهَل يُمكن لسينودوسات الكنائس الشرقيّة أن تقول ليسوع مِثل غريغوار. "بكلمتك أُلقي الشبكة"؟






العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
النهار تتحقق 10/8/2025 9:20:00 AM
إعلان مفرح من محمد شاكر خلال الساعات الماضية. "صدر حكم ببراءة والدي، فضل شاكر"، وفقاً للمتناقل. فيديو تكشف "النّهار" حقيقته.  
سياسة 10/8/2025 1:16:00 AM
تمام بليق يوضح حقيقة ما جرى مع الشيخ حسن مرعب في صيدا