السيبرانية أداة الغرب الدائمة في البرنامج النووي الإيراني

سجاد عابدی
لطالما شكّلت التوترات الجيوسياسية بين جمهورية إيران الإسلامية والدول الغربية وبخاصة الولايات المتحدة والنظام الصهيوني، لعقود، عنصراً رئيسياً في العلاقات الدولية في منطقة غرب آسيا. في غضون ذلك ظلّ البرنامج النووي السلمي الإيراني محور هذه التوترات. ورغم التزام إيران الالتزامات الدولية وتوجيهات منظمة الطاقة الذرية بل قبولها التزامات تتجاوز عمليات التفتيش والمراقبة المعتادة التي تقوم بها الوكالة نيابةً عن إيران، سعى الغرب دائماً إلى تدمير البرنامج النووي الإيراني ووقفه باستخدام أدوات مختلفة بما في ذلك الحرب الإلكترونية. ومن أوضح الأمثلة على هذه الأعمال العدائية الهجوم الإلكتروني باستخدام برنامج "ستوكسنت" الخبيث الذي ارتقى بمفهوم الحرب الإلكترونية إلى مستوى جديد.
من الواضح أن الهجمات الإلكترونية على البرنامج النووي لجمهورية إيران الإسلامية قد وقعت من الولايات المتحدة وأوروبا والنظام الصهيوني. ويُعدّ الفضاء الإلكتروني مفهوماً جديداً في المفردات الاستراتيجية، إذ إن اعتماد الجهات الفاعلة عليه واهتمامها به جعلا من الحفاظ على أمنه أمراً بالغ الأهمية، ولطالما وضعت الرصد والتحليل الأمني الوطني والدولي التهديدات السيبرانية على رأس قائمة أولوياتها، فقد اعتبر التقرير السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي التهديدات والهجمات السيبرانية واحدة من أكبر خمسة تهديدات عالمية في عام 2012، وصنفت وثيقة الأمن القومي الأميركية في العام نفسه الهجمات السيبرانية بمستوى ضرر "مرتفع للغاية" بحيث اعتبر وزير الدفاع الأميركي الهجمات السيبرانية على الولايات المتحدة أشد خطورة من هجوم بيرل هاربور.
هذه مجرد أمثلة قليلة على أهمية الفضاء الإلكتروني. وغني عن القول إن الفضاء الإلكتروني يتمتع بقدرة عالية على تعزيز المصالح الوطنية وأمن الدول وتهديدها في عصر تكنولوجيا المعلومات والاتصالات الجديدة. وقد حظي هذا المجال باهتمام كبير من الجهات الفاعلة المنخرطة في التطورات العالمية لسنوات عديدة، ويُعدّ "سيف ديموقليس" في الفضاء الإلكتروني مصدر قلق بالغ، إذ تُعد الولايات المتحدة من أوائل الدول التي استخدمته لتهديد الدول الأخرى ومهاجمتها، وكما يُقال في الأدبيات السياسية والأمنية الأميركية فإن الخصوم في الفضاء الإلكتروني يقتلون أولاً ثم يدّعون أنهم كانوا على حق.
مع ذلك، ومع تعافي الحالات الشاذة والقدرة على تحليل السلوكيات الاستباقية، يُعتبر الفضاء الإلكتروني المجال المعني في مفهوم حرب المعلومات ومن حيث المبدأ الحرب الناعمة. يشير هذا المفهوم إلى استخدام المعلومات وأنظمة المعلومات سلاحاً في صراعات المعلومات. في هذا السياق تُعتبر الحرب الإلكترونية مزيجاً من أنواع حرب المعلومات، ويمكن أن تحدث هذه المعركة الناشئة بين الدول أو بين جهات فاعلة حكومية وغير حكومية ويكون الهدف أي شيء، سواء كان عسكرياً أو صناعياً أو مدنياً.
تهاجم الحرب السيبرانية خوادم معلومات الطرف الآخر باستخدام جنود خفيين كالفيروسات التخريبية والجواسيس واللصوص والمخربين. وكانت جمهورية إيران الإسلامية من بين أهداف الهجوم السيبراني الأميركي في السنوات الأخيرة. وقد نُفذ هذا الهجوم السيبراني (الذي يُمكن وصفه بالنظر إلى أبعاده الأخرى كالحرب المعلوماتية والأمنية بـ"الحرب السرية" أو "الإرهاب السيبراني" نظراً الى عدم امتثاله لمعاهدات واتفاقات جنيف)، بوضوح من الولايات المتحدة وأوروبا والنظام الصهيوني ضد مصالح جمهورية إيران الإسلامية في برنامجها النووي.
أثبت "ستوكسنت" أن الحرب الإلكترونية قادرة على استبدال أساليب الحرب التقليدية وأن لها آثارًا مدمرة على البنية التحتية الحيوية لأي بلد، كما طرح الهجوم مفهوماً جديداً للأسلحة الإلكترونية للعالم وهو "الأسلحة الإلكترونية الموجهة" التي تسعى الى هدف واحد محدد وهو التدمير! ووفقاً لخبراء الأمن السيبراني ومنهم رالف لانجر، فإن تأثير هذا الهجوم كان "بمثابة استخدام المتفجرات" ضد المنشآت النووية الإيرانية!
شكّل هجوم "ستوكسنت" نقطة تحول في تاريخ الحرب الإلكترونية، إذ أظهر كيف يمكن للتكنولوجيا أن تكون سلاحاً وأداة تجسس في آن واحد، وهو يؤكد أهمية تعزيز البنية التحتية الأمنية والاستعداد للتهديدات الإلكترونية. فمن خلال الاستثمار في تدريب الموارد البشرية وتطوير التقنيات المحلية ووضع بروتوكولات أمنية صارمة، يمكن لجمهورية إيران الإسلامية منع هجمات مماثلة في المستقبل وحماية بنيتها التحتية الحيوية. وقد قلب برنامج "ستوكسنت" الخبيث المعتقدات القديمة حول القدرة الهجومية وقدرة القوة الإلكترونية على تحقيق أهداف سياسية.
المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية