روح الكتابة

ريمون مرهج
أهوى الكتابة بمداد قلمي وتأرجحات يدي وعلى أوراقي البيضاء أرسم كلماتي فأسرح شعرك بين الحروف بأصابعي وأداعب وجنتيك بملامسة يدي لمفردات تصف وجهك. أهوى الخطوط التي ينثرها لك يراعي ممزوجة من أنفاس روحي. جميلة هي الجمل المكتوبة بخط اليد بها تحفر الفن وتصنع لوحات فاتنة تزين مدارج التاريخ وتعزف على أوتار قلوب الشباب سمفونيات الحب، الفرح والأدب الجميل.
في تراقص يراعي تُنسَج خيوط الكلمات وتتمايل مع رياح الروح لتنقل لنا المشاعر بصدق إلى حقول المقالات. ما بين القلم والأنفاس والورقة حكايات تتخطى مفاهيم هذا العالم وأفكاره فتعبر عن جنون شاعر وإبداع أديب وصرخة الصحافة المستقيمة الصريحة. اليوم كما كل يوم أكتب لك حينما تعلو أمواج الشوق وتخبط على صدري فتتكسر صخور الغربة القاسية لتغدو مع مرور الزمن ناعمة رطبة، تحتضنها روحي بالرغم من صلابة الألم الذي تحتويه. كلما اجتاحني إعصار الحنين وغلبني عطش اللقاء أهرع إلى ريشتي فأغمض عيني تاركاً روحي تخطّ نبضات فؤادي على الصحيفة ويفوح عطر حبي ما بين النقاط والفواصل فتزخر بالتنهدات والآهات. في ملامسة النصوص التي كتبتها لك أمسك بيدك وأنظر إلى عينيك ثم أطبع قبلة الروح على جبينك وفي كف يدك أترك توقيع حبي لك. حينما أكتب تجتاحني أفكار وتذهب فأعيد صياغة النص وأشطب بعض الجمل والعبارات التي أجدها أقل وصفاً لما يختلج في أعماقي من أحاسيس أو غير كافية التعبير عنك. حينما أنتهي من الكتابة تغدو أمامي لوحة مزركشة من المشاعر الصادقة ممزوجة بالحبر المبعثر في زوايا الورق وبين الكلمات وعلى أطراف الصحيفة بعض من الخربشات والرسوم التي حاكها قلمي في لحظات اللاوعي.
حينما يهب على روحي الإلهام يكون الكاتب الذي ترعرع في قلبك ونما على الأمل والقوة اللذين زرعتهما في مهجتي وعقلي قد أزهر مشاعر مرهفة وأدباً راقياً وسرداً ساحراً يتوق له يراعي فينثره على وثيقة روحي وتسكر له طرباً ساكناً لا يسمعه سوى فؤادي فيعزف معه على أوتار خفقانه أجمل المشاعر التي تأخذني إلى عالمي، إلى قلبك، أليك. نعم ألتقي بك متخطياً كل الحواجز ومختصراً كل المسافات التي تفصلني عنك يا سيدتي. نعم أنت الكاتب الحقيقي في أعماقي وأنا طائر روحك الذي ينشد ما تلقنينه من أسرار حبك الخفية عن العالم أجمع. وحده طائر الروح يسمعك ويحدثك في الصميم دون أن تنطق الأفواه بأي حرف.
الكتابة بخط اليد عالم آخر بعيد عن كل طباعة اخترعها البشر لتسهيل أمورهم الدنيوية ومختلف تماماً عن كل ذكاء اصطناعي فارغ من المشاعر والإبداع وهمسات الروح التي هي أساس الوجود في هذه الأرض.