منبر 17-09-2025 | 15:03

حق السويداء في تقرير مصيرها: بين النظرية والتطبيق وبين الفعل المدني وانتظار المعجزات

التجارب من تيمور الشرقية إلى كوسوفو وجنوب السودان تؤكد أن الشعوب التي توحّد صفوفها وتطالب بحقها بشكل قانوني ومنظم تستطيع أن تنتزع اعتراف العالم.
حق السويداء في تقرير مصيرها: بين النظرية والتطبيق وبين الفعل المدني وانتظار المعجزات
هل دخل ملف السويداء مرحلة جديدة؟ (أ ف ب)
Smaller Bigger

فراس حسن الشوفي*

 

 

منذ تأسيس منظمة الأمم المتحدة عام 1945، شكّل حق تقرير المصير أحد الأعمدة الأساسية في النظام الدولي الحديث. فقد اعتُبر وسيلة لتصفية الاستعمار وتعزيز السلم، واعتُمد في مواثيق الأمم المتحدة، والعهود الدولية لحقوق الإنسان، والقرارات التاريخية للجمعية العامة. كما أكدت محكمة العدل الدولية، في قضايا متعدّدة، أن هذا الحق بات من المبادئ الملزمة التي لا يمكن الحياد عنها.

 

ورغم رسوخ المبدأ في النصوص، فإن التحدي يظل دائماً في كيفية الانتقال من النظرية إلى التطبيق. هذا هو السؤال الذي يواجه أبناء السويداء اليوم: كيف يمكن تحويل حق تقرير المصير من نص قانوني إلى واقع سياسي يضمن لهم الكرامة والأمن والاستقرار؟

 

المطالبة كشرط أولي

 

الحقوق لا تُعطى تلقائياً، بل تُنتزع بالمطالبة الواضحة والموثقة. كما لا يمكن لقاضٍ أن يحكم من دون دعوى محددة، لا يمكن للمجتمع الدولي أن يتدخل من دون وجود طلب رسمي. وفي حالة السويداء، يزداد الأمر تعقيداً مع غياب تمثيل شرعي منتخب نتيجة غياب دستور فعال أو قانون انتخاب شامل.

 

محتجون على تدهور الوضع الإنساني في مدينة السويداء. (أرشيف/ أ ف ب)
محتجون على تدهور الوضع الإنساني في مدينة السويداء. (أرشيف/ أ ف ب)

 

 

وعليه، فإن أي مطالبة فردية أو فئوية لن تلقى الوزن المطلوب في المحافل الدولية. السبيل الواقعي هو عريضة جماعية موقّعة من أبناء السويداء في الداخل، تتكامل مع عريضة إلكترونية من أبناء المهجر. هذه الخطوة تحول المطلب من شعار في تظاهرة إلى وثيقة قانونية ملزمة تُطرح على طاولة الأمم المتحدة.

 

من الشعارات إلى الوثائق

 

التظاهرات الشعبية التي رفعت شعار "حق تقرير المصير" تعبّر عن موقف وجداني صادق، لكنها تبقى فعل احتجاج، أما العريضة المكتوبة فهي أداة قانونية. الفرق بينهما كالفرق بين الصرخة في الشارع والدعوى أمام المحكمة: الأولى تُسمع، أما الثانية فتُلزم وتُناقش وتنتج أثراً قانونياً.
السيناريو الأول: استفتاء بإشراف دولي إذا تجاوب مجلس الأمن الدولي وأصدر قراراً ملزماً بتنظيم استفتاء، فإن السويداء ستدخل مساراً واضح المعالم:

 

1. إحصاء سكاني شامل يشمل الداخل والمهجر.

 

2. مرحلة نقاش ومناظرات عامة بين خيارات الوحدة أو الفيدرالية أو الاستقلال.

 

3. إجراء الاستفتاء تحت إشراف الأمم المتحدة لضمان الشفافية.

 

الخيارات أمام الشعب ستكون ثلاثة:

 

• الوحدة بصيغتها الحالية: وهو خيار ضعيف الاحتمال في ظل المجازر والحصار.

 

• الفيدرالية أو الحكم الذاتي: خيار معقد يتطلب تفاهمات مع السلطة المركزية.

 

• الاستقلال التام: وهو الخيار الأكثر وضوحاً وإن بدا للبعض الأصعب.

 

الاستقلال كخيار عملي

 

في حال تصويت الغالبية للاستقلال، فإن القرار الأممي سيجبر جميع الأطراف – بما فيها النظام السوري والدول الإقليمية – على احترام النتيجة. وسيدخل الإقليم في مرحلة انتقالية تحت إشراف دولي، تُبنى خلالها المؤسسات، ويُصاغ دستور جديد، وتُجرى انتخابات. هذه المرحلة قد تستغرق سنوات، لكنها تشكل الضمان الأساسي لقيام دولة جديدة معترف بها.

 

السيناريو الثاني: الفيتو والتعطيل

 

قد يُعرقل أحد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن صدور القرار، رغم أن ذلك يتعارض مع ميثاق الأمم المتحدة. عندها سيكون أمام أبناء السويداء خيار التحرك الأحادي: تنظيم استفتاء داخلي وخارجي، انتخاب حكومة موقتة، إعلان الاستقلال من جانب واحد، ثم السعي الى الحصول على اعتراف دولي تدريجي. صحيح أن هذا الطريق أصعب، إذ يتطلب إنشاء مؤسسات أمنية وقضائية وخدمية بموارد ذاتية، لكن تجارب العالم تُثبت أن الشرعية تُبنى بالقدرة على الإدارة والتنظيم، ومع الوقت تتحول إلى اعتراف دولي.

 

دروس من التجارب الدولية

 

• تيمور الشرقية: بعد عقود من الاحتلال الإندونيسي، نظّم استفتاء أممي عام 1999 صوّتت فيها الغالبية الساحقة للاستقلال. ورغم العنف اللاحق، فرضت الأمم المتحدة وصاية انتقالية أدت إلى إعلان الدولة عام 2002.

 

• كوسوفو: أعلنت استقلالها عام 2008 من جانب واحد، رغم رفض صربيا والدعم الروسي لها. ومع ذلك، اعترفت بها عشرات الدول، وأكدت محكمة العدل الدولية أن إعلان الاستقلال لا يتعارض مع القانون الدولي.

 

• جنوب السودان: بعد حرب طويلة، نص اتفاق السلام الشامل (2005) على استفتاء تقرير المصير. في 2011 صوّت 98% لمصلحة الاستقلال، وأُعلن قيام الدولة الجديدة مع اعتراف واسع.

 

هذه السوابق تُظهر أن حق تقرير المصير ليس مجرد نص جامد، بل مسار عملي يبدأ بمطالبة شعبية، يمر بالاستفتاء، وينتهي بالاعتراف الدولي، سواء عبر الأمم المتحدة أو من خلال اعتراف تدريجي من الدول المؤثرة.

 

البعد الإقليمي والدولي


لا يمكن قراءة قضية السويداء بمعزل عن محيطها:

 

• إسرائيل: الروابط العائلية والدينية مع دروز السويداء تجعل أي استهداف لهم قضية داخلية في إسرائيل، وتضغط على أي حكومة لاتخاذ موقف داعم.

 

• الأردن: استقرار السويداء سيعني ضبط الحدود ووقف تهريب المخدرات والسلاح.

 

• الخليج: كيان مستقر في الجنوب السوري يعني تقليص نفوذ إيران ويمنع تحوّل المنطقة إلى ساحة فوضى.

 

• المجتمع الدولي: معالجة ملف السويداء تساهم في تخفيف العقوبات وتفتح الباب لعودة اللاجئين.

 

السويداء بين القانون والواقع


قانونياً، حق تقرير المصير مكفول. سياسياً، تنفيذه مرهون بتوازنات إقليمية ودولية. محلياً، النجاح يتوقف على قدرة أبناء السويداء على تنظيم أنفسهم في أطر مدنية وديموقراطية، واعتماد الانتخاب آلية وحيدة لحسم الخلافات. فكلما برهنوا عن ذلك، ازدادت فرص حصولهم على دعم واعتراف دوليين.

 

إن حق تقرير المصير للسويداء ليس ترفاً سياسياً بل ضرورة وجودية. بين وحدة قسرية أثبتت فشلها، وفيدرالية غامضة، يظل الاستقلال التام الخيار الأكثر وضوحاً. والتجارب من تيمور الشرقية إلى كوسوفو وجنوب السودان تؤكد أن الشعوب التي توحّد صفوفها وتطالب بحقها بشكل قانوني ومنظم تستطيع أن تنتزع اعتراف العالم.

 

قد يطول الطريق، لكن الواضح أن استقرار منطقة الشرق الأوسط كاملة لن يتحقق من دون معالجة معضلة السويداء، وأن دعم حقها في تقرير المصير يخدم مصالح أبنائها ومصلحة سوريا ومصالح الدول الإقليمية والمجتمع الدولي معاً.

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

الأكثر قراءة

العالم العربي 9/29/2025 5:14:00 PM
"نحن أمام مشروع ضخم بحجم الطموح وبحجم الإيمان بالطاقات"
تحقيقات 9/30/2025 4:06:00 PM
تقول سيدة فلسطينية في شهادتها: "كان عليّ مجاراته لأنني كنت خائفة"... قبل أن يُجبرها على ممارسة الجنس!
ثقافة 9/28/2025 10:01:00 PM
"كانت امرأة مذهلة وصديقة نادرة وذات أهمّية كبيرة في حياتي"
اقتصاد وأعمال 9/30/2025 9:12:00 AM
كيف أصبحت أسعار المحروقات في لبنان اليوم؟