لا بولا العقيدة الشيعية ناصعة!

محمد عبد الله فضل الله

أثارت النائبة بولا يعقوبيان لغطاً على وسائل التواصل الاجتماعي بسبب تصريحاتها خلال حوار صحافي تناولت فيه البعد العقائدي للشيعة، معتبرة الإيديولوجيا الشيعية "قاتلة" وأخطر من وجود السلاح في ذاته.
وأشارت يعقوبيان إلى أنّها حذّرت لسنوات من خطورة هذه العقيدة و"غسل دماغ الناس"، فهي برأيها المشكلة الأهمّ، فمجرّد وجود العقيدة الشيعية "مشكلة في ذاته". وبالنسبة إليها، السلاح "يصدأ" لكن الإيديولوجيا قاتلة، ولهذا السبب يجب أن يكون العمل على أكثر من صعيد.
لم يطل الأمر حتى بدأت ردّات الفعل على وسائل التواصل الاجتماعي، اقتصر بعضها على الردّ على يعقوبيان بلغة متزنة، لكنّ البعض الآخر وجّه إساءات دينية في الاتجاه المعاكس وهذا غير مقبول.
باعتقادي لا بد لسعادة النائبة يعقوبيان من أن تطلع أكثر على العقيدة الشيعية التي لا تختلف في الجوهر عن العقيدة المسيحية لجهة تعريف الشهادة أو الجهاد والتضحية، إن كان مقصودها العمل المسلح.
الجهاد هو فعل تتمازج فيه الكلمة مع الدم في سبيل حماية حياة الإنسان وعرضه وأرضه وماله وكرامته من كل عدوان، وفي الإسلام هو جهاد دفاعي ووقائي على المستوى العام، والشيعة لم يكونوا يوماً من أصحاب العنف المسلح لأن هذا خلف عقيدتهم. فليس في قاموسهم العقيدي كلمة اعتداء، فقد ركّز القرآن الكريم في أكثر من آية على رفض الاعتداء، "ولا تعتدوا إن الله لا يحبّ المعتدين" (البقرة:190) ، حتى في مسألة ردّ العدوان أراد الله له أن يكون رداً متوازناً لا يزيد على طبيعة العدوان.
لا بل أكثر من ذلك، فكل من دافع ويدافع عن حرية وطنه وعن الناس الضعفاء ويقتل في سبيل ذلك هوشهيد أو بمنزلة شهيد. 
فمسلسل الاغتيالات عام 2005 وبوجه خاص شهادة الأستاذ جبران تويني حينها، سُئل المرجع الراحل السيد محمد حسين فضل الله في حوار صحافي شاركت فيه الأستاذة نايلة تويني عن ذلك فقال:"أنا أعتبر أنّ كل من دافع عن حرّيّة وطنه وعن المستضعفين هو شهيد".
العقيدة الشيعية هي دعوة مستمرة إلى نصرة الحق والمستضعفين من كل الطوائف، فلا ننسى نصرتهم الدائمة لإخوتهم المسيحيين عقب حوادث الجبل عام 1860 وقبل هذا التاريخ أيضاً لمن يريد الاطلاع.
أما إذا كان مقصود النائبة يعقوبيان بالعقيدة القاتلة "ولاية الفقيه"، فنقول إن هذه هي نظرية فقهية موجودة وليست محل إجماع فقهي كونها مسألة اجتهادية في الفقه الشيعي، وليس معنى الإيمان بها من البعض والتزامها في الجوانب الشرعية أن هؤلاء ليسوا مخلصين لأوطانهم التي لا بد من أن يترعرع فيها العدل من الذين يحكمونه.
من يتصفح التاريخ بموضوعية يرى أن الشيعة كانوا ولايزالون من الخلّص لوطنهم ودفعوا في كل المراحل التاريخية أثماناً باهظة من أجل صونه وحمايته. 
وإذا أرادت النائبة بولا يعقوبيان فلتراجع كتب الشيعة ومصنفاتهم الفقهية والحديثية والمعرفية الغنية والمعتدلة والدقيقة والأصيلة على كل الصعد والتي رفدت وترفد الحضارة الإسلامية والعربية من نميرها.
عندها ستتعرف أكثر على أن العقيدة الشيعية واسعة الآفاق ودقيقة المعالم وأنها ناصعة في أصولها ومنطلقاتها في صوغ إنسان الله والحياة.
فلا يجوز إطلاق الكلمات والتعميم جزافاً بأن العقيدة الشيعية هي قاتلة، فهذا يخالف قواعد المنطق والمعرفة والحقيقة وهي تهم جائرة بحق الشيعة والتشيع في هويتهم الدينية والوطنية.

لقد برز رجال دين أصبحوا شهداء حقيقيين… وبعضهم استشهد وهو يرفع الإنجيل في وجه الجنرالات، استُشهدوا كالمسيح، من أجل شعبهم كالكاهن الثائر كاميلو توريس، فهل نقول عن هؤلاء إن عقيدتهم قاتلة؟
أخيراً وليس آخراً لا بد للسياسيين في موقع المسؤولية العامة من التحلي بروح الموضوعية والتدقيق أكثر قبل إطلاق مواقفهم وخطاباتهم التي لا تخدم الوطن ولا الحقيقة ولا العيش المشترك. وإن كان لها (النائبة بولا) من موقف سياسي من جماعة ما فلا يجوز التعدي إلى ما هو أبعد من السياسة ورمي أي عقيدة بتهم عامة وظالمة.


المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية