ورقة

أ.أحلام محسن زلزلة
ما بين الـ"تغريدة" والـ"بوست" والـ"ستوري" يبقى للورقة مكانتها على رفّ القضايا الهامّة.
فالورقة في لبنان فشل مزمن، تنعى المواطن ثمّ تبحث عن حاضره في كلمات متقاطعة من الوعود، تدمع على وطنٍ صغير مقعد لا يحسن القيام إلّا على الورق.
فيما المهزلة العلنيّة ورقة الـ"المشحونة بالحقد والمعلّقة على شفير أزمة بين سطورها الطّاعة العمياء للقوى السّحرية الطّارئة على المجتمع التقليديّ. وعلى المواطن البارّ أن يقع أسيرها وهو في الأصل مأسور محبوب من الأزمات الثّقال!
على الشّاشات سباق إعلاني اخباري: ماذا ستحمل الورقة السّحرية؟ إنّها تحدّد المزاج المتقلّب. فإن كانت قمحة، عمّ الفرح، واحتفل النّاس وكأنّهم تحرّروا من الجوع، وإن كانت شعيرة، فذلك أمر اعتياديّ بل نكتة الموسم… صيحة موضة جديدة، تغطي مهزلة مقروءة بسطور غير مفهومة.
يهبط الوحي بأرجله الأربع، ليعدِّل الورقة يضيف حلولاً مصيريّة توضع على الهامش، يلهمنا ببعض الصّبر، والاستعداد للدّخول في أروقة الفرج بزمن غير محدّد.
يجهد المواطن في التّأمّل، يتوسّد اللّيل، يغازل الواقع بظرفه، بعد أن أخفقت الأوساط الدّبلوماسيّة بترطيب المزاجيّة السّياسيّة الفجّة.
المواطن اللّبناني خبير استراتيجيٌ في رسم الخطط على الطّراز الحديث من فتات المتوفّر لديه يعدّ الغذاء النّباتيّ بلا دسم ثمّ يكتشف في النّهاية أنّ الزّبدة "لا شيء".
لكنّه لا يستسلم. يتمسّك بالحقّ بيدٍ مكسورة، يتألّم بصمت ملقّح بالصّبر، يتنقّل بين الصفحات المسوّدة، ويخربش على الجمل المشحونة بالجرأة، بعدما نال الشتم واللّعن من صحته هلاكاً مبيناً، وهو رهين ورقة تُبشّر بخراب مؤجّل أو بمخرج يأخذه إلى المصير نفسه.
ورقة تعلّق نصف الوطن بالنّجم ونصفه الآخر بفتيل الانفجار.
لعمرك! هل رأيت ورقة تنحاز إلى الحرب أكثر من انحيازها إلى السّلام؟ ورقة تقدّم جائزة ترضية للفشل كي لا تبقى فارغة تمامًا.
ضقنا ذرعا بالأوراق، وصِرنا مؤمنين تماماً بأنّ التّمسك بورقة الهجرة واجب وورقة الوصية ملزم، نطالب فيها أولادنا بتقديس تربة الأجداد، الّتي لا يعادلها ذهب الأرض، ثم نكمل الطّريق نحو السّفارة.
والحقّ أنّ الورقة الشّريرة تحتاج فقط الى توقيع مجهول، وختم غير واضح، لتُنسَف فرص الحياة وتعطّل أحلامنا وقت ما تشاء.
نحن في فجوة بيننا وبين زمن الأوراق المهاجرة إلى ما قبل القرون الوسطى.
ومع هذا ومن عجائب الأمور علينا أنْ نتأنّق ونتّألّق ونشرب النّخب على شرف بقعة بكامل أوجاعها تكتب بالرّماد على ورقة الوطن الضّحيّة الأخيرة.