بوجه تسليم السلاح أو عدم تسليمه... خيار آخر

منبر 01-09-2025 | 11:49

بوجه تسليم السلاح أو عدم تسليمه... خيار آخر

ينقسم الشارع اللبناني، على عادته، بين وجهتي نظر في ما خص سلاح "حزب الله"، الأولى تدعو لتسليمه على أساس حق الدولة باحتكار العنف، والثانية تدعو لعدم تسليمه لدولة (أو: "لا دولة") عاجزة. 
بوجه تسليم السلاح أو عدم تسليمه... خيار آخر
من الارشيف
Smaller Bigger

الان علم الدين 

 

ينقسم الشارع اللبناني، على عادته، بين وجهتي نظر في ما خص سلاح "حزب الله"، الأولى تدعو لتسليمه على أساس حق الدولة باحتكار العنف، والثانية تدعو لعدم تسليمه لدولة (أو: "لا دولة") عاجزة. لكن اللافت أن الخيارين منطلقين من بقاء السلطة الطائفية، إن كان على مستوى حزب اختار، على الأقل حتى الآن، تبني مشروعاً طائفياً، أو على مستوى نظام سياسي-مجتمعي طائفي، وكلاهما يرتهنان للخارج. بوجه هذا الواقع، أعدّت مبادرة مستقلة وثيقة بعنوان "ثوابت ومرتكزات في إستراتيجيّة الأمن الوطني اللبناني"، تطرح خياراً آخر: خيار إرساء شرعية دولة سيدة وقادرة على مواجهة العدو. فعلامَ نصت هذه الوثيقة؟ وكيف يمكننا المساهمة في الدفع بهذا الاتجاه؟

 

 

في سيادة الدولة: من اللافت أن الوثيقة تطرح "السيادة" 14 مرة و"المقاومة" 13 مرة، إذ لا تناقض بين المفهومين، بل إن السيادة تتطلب مقاومة كل من يعملون على انتهاكها. فالدولة القويّة والمستقلّة والعادلة هي المفوَّضة في العقد الاجتماعي احتكار العنف للقيام بواجب الدفاع عن الوطن والشعب. لكن هذا التفويض مشروط، يحقّ للشعب استرداده في حال أخلّت الدولة بالتزام الدفاع. ولا تقتصر السيادة الوطنيّة على احتكار العنف بل أيضاً على رفض التدخّل الخارجي.

في سلاح الدولة: تعتبر الوثيقة أن تعزيز الجيش اللبناني تعزيزاً حقيقيّاً وتمكينه من أداء دوره الدفاعي بقدرات متطوّرة قادرة على ردع الخطر الإسرائيلي ضرورةً قصوى. وهذا على تناقض تام مع خيارات كل الحكومات التي تتالت على مرّ العقود، والحائزة على ثقة "الممانعين" و "السياديين" والآن "التغييريين"، والمتنازلة عن مسؤوليتها تعزيز قدرة الجيش لمصلحة قطر والولايات المتحدة. وحتى إنجاز تمكين الجيش، يُحدَّد دوره ودور المقاومة، لا على أساس مصالح خارجية، بل ضمن إستراتيجيّة دفاع وطني متكاملة، توفّق بين مقتضيات السيادة ومتطلّبات الردع.

في انتقال السلطة من النظام الطائفي الى دولة: تشير الوثيقة إلى خطر ترسّخ المقاومة داخل البنية الطائفية، بحيث تنطوي محاولات مواجهة هذه المقاومة على خطر إحداث شرخ سياسي واجتماعي. وهنا تبرز الحاجة لنظام سياسي يقوم على مبادئ نظام لا طائفيّ (أي: دولة حقيقية) يرتكز على أسس المواطنة والمساواة والعدالة والاستقلال. إنّ الاتّفاق على هذه الرؤية للنظام السياسي يضبط المخاوف المتبادلة ومنها أن يوظِّف طرفٌ ما الصراع مع العدوّ الإسرائيلي للتغلّب على طرف محلّي آخر. ومع تحييد هذه المخاوف، يتّسع مجال العمليّة السياسيّة المحليّة بما يتيح المجال لصوغ إستراتيجيّات وسياسات وبرامج وطنيّة لا فئوية، لمواجهة العدوّ.

في سياسات الدولة الاقتصادية والمالية: تطرح الوثيقة سياسات مصممة لتفكيك البنية الطائفية الموجودة وإرساء شرعية دولة، على رأسها بناء اقتصاد إنتاج، في قطيعة تامة مع الاقتصاد الريعي الذي أسسه زعماء الطوائف (من دون استثناء) وأصحاب المصارف منذ نهاية الحرب الأهلية. ويحتاج لبنان، لا الى التوجه "شرقاً" أم "غرباً"، بل الى تقليل التبعيّة للخارج عبر تنويع الشركاء الاقتصاديّين، مما يحقق الاستقلال الاقتصادي. كما يحتاج إعادة توزيع الثروة من خلال محاسبة أصحاب المصارف، وتحقيق العدالة الاجتماعية على الصعيد التعليمي والطبابي، ممّا يعزز دمج اللبنانيين بشبكات مصالح خارج منطق الطوائف والمناطق.

في سياسات الدولة الإعلامية والخارجية: على نحو لافت، تخرج الوثيقة من منطق حصر التصدي للمشروع الصهيوني بالسلاح، فتطرح صياغة خطاب إعلامي موجه للداخل اللبناني، وآخر موجه للرأي العام العالمي، وآخر يستهدف العدو نفسه. كما تقدّم بديلًا من منطق "وحدة الساحات" الذي لم يتبنه اللبنانيون ديموقراطياً والذي تبيّن أنه لا يحمي لبنان، وبديلًا من منطق "الحياد" المنفصل عن الواقع بحيث نرى سيطرة العدو على مصر والأردن من خلال دعمه أنظمتها القمعية، وعدوانه المتكرر على سوريا التي لا تشكّل أي تهديد له. فتطرح إقامة الدولة اللبنانية نفسها علاقات خارجية  منضبطة بإستراتيجيّة الأمن الوطني وفي خدمتها، وجذب خبرات وقدرات تصنيعيّة وتكنولوجيّة ذات توظيف أمني وعسكري، وبناء تأثير في المؤسّسات الدوليّة والإقليميّة، والتواصل مع النخب والجمهور العالمي للدفاع عن الموقف اللبناني.

طبعًا، لا تشكل هذه الوثيقة طرحاً نهائياً، بل هي مدخل لنقاش أعمق. على سبيل المثال، إن بناء اقتصاد الإنتاج يتطلب تعداداً للسكان لا يلحظ طائفة المواطنين. والخدمة المدنية والعسكرية الإلزامية خيار ناجع لنقل خبرات المقاومين إلى الدول من دون إغفال إشراك سائر المجتمع في المهمة. وعلى قانون الانتخاب أن يكون مدروساً كي لا يؤجج المخاوف الطائفية عوض أن يتجاوزها. لكنها تمتاز بالخروج عن ثنائية "تسليم السلاح أو عدم تسليمه". وعليه، على كل المجتمع اللبناني، بسياسييه ونقابييه وإعلامييه ونخبه وسائر مواطنيه، المساهمة في هذا النقاش. فلبنان يتجه الى احتراب لا يخدم أحداً سوا أعدائه، ولا حل سوى بتفكيك بنيتنا الطائفية التفتيتية وفرض انتقال منها الى دولة قادرة على حماية مجتمعها من مخاطر الداخل والخارج.



لمقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
النهار تتحقق 10/8/2025 9:20:00 AM
إعلان مفرح من محمد شاكر خلال الساعات الماضية. "صدر حكم ببراءة والدي، فضل شاكر"، وفقاً للمتناقل. فيديو تكشف "النّهار" حقيقته.  
سياسة 10/8/2025 1:16:00 AM
تمام بليق يوضح حقيقة ما جرى مع الشيخ حسن مرعب في صيدا