أيّ لبنان نريد… وتالياً أيّ سلاح؟

منبر 27-08-2025 | 19:01

أيّ لبنان نريد… وتالياً أيّ سلاح؟

هل نريد لبنان الثورة الإسلامية الإيرانية، حيث يصبح السلاح جزءاً مقدساً من عقيدتها ووجودها؟ أم نريد لبنان الدستور والقانون والهوية التعدّدية، حيث يكون أيّ سلاح خارج الشرعية عبئاً على البلد وشعبه ودستوره، وخطراً على مفهوم لبنان نفسه؟
أيّ لبنان نريد… وتالياً أيّ سلاح؟
حصرية السلاح بيد الدولة وحدها. (أ ف ب)
Smaller Bigger

شادي ديراني*


في بلد صغير ومتعدد التركيب مثل لبنان، لا يمكن أن نناقش مسألة السلاح قبل أن نحدد أولاً: أيّ لبنان نريد؟

 

السلاح في حد ذاته ليس مجرد أداة قتالية، بل هو انعكاس لهوية الدولة وخيارها الوطني ودورها الدستوري الداخلي، كما دورها الإقليمي والدولي؛ فهويّة الدولة تحدد طبيعة مؤسساتها، وهذه المؤسسات هي التي تحدد من يملك السلاح ولأي غاية. من هنا، إن اخترنا هوية دستورية مدنية، كان السلاح حصراً بيد المؤسسات الشرعية، أما إذا اخترنا هوية ثورية عسكرية، فقد صار السلاح أداة أساسية لهذه الثورة.

اليوم، وفي خضم الجدل المحتدم حول حصر السلاح، نجد غالبية اللبنانيين تؤيد ذلك، في مقابل رفض شبه قاطع من حَمَلة السلاح المرتبطين بالمشروع الإيراني أصلاً، وهنا تبرز المسألة الجوهرية التي قلّما تُطرح بعمق وصراحة:

 

هل نريد لبنان الثورة الإسلامية الإيرانية، حيث يصبح السلاح جزءاً مقدساً من عقيدتها ووجودها؟ أم نريد لبنان الدستور والقانون والهوية التعدّدية، حيث يكون أي سلاح خارج الشرعية عبئاً على البلد وشعبه ودستوره، وخطراً على مفهوم لبنان نفسه، بتحويله من وطن إلى جبهة ومحور في صراعات الآخرين؟

الجواب عن هذا السؤال ليس ترفاً فكرياً، بل هو أساس لبناء المستقبل. التجربة أثبتت، ولا سيما بعد حرب "إسناد غزة" التي لم تُستشر فيها الشرعية اللبنانية أصلاً، ولم يصدر بشأنها أي قرار رسمي، أن هذا النوع من الحروب خاسر وفاشل، حتى لو كان خياراً معلناً من طرف مكوّن لبناني، لكنه ليس خيار الأكثرية أو الإجماع الوطني. فالسلاح إذن، لم يحمِ ولم يبنِ، بل دمّر وجرّ على لبنان الويلات التي دفع ثمنها جميع اللبنانيين، رغم أن قرار الحرب اتُّخذ من دون إرادتهم.

إن معظم اللبنانيين، بمختلف انتماءاتهم، يرفضون منطق الانجرار إلى الحروب الإقليمية، وذلك لثلاثة أسباب واضحة:

 

1- الوضع الاقتصادي: لبنان الغارق في أزماته، خصوصاً الاقتصادية، لا يحتمل أي حرب جديدة، إذ سينهار بالكامل وعلى جميع المستويات. فلا دولة بلا اقتصاد، تماماً كما أنه لا أمن في ظل ديموقراطية مقوَّضة من قبل دويلة.

 

2- التجربة التاريخية: عقود من الصراعات أثبتت أن الانخراط في حروب الآخرين مكلف ومدمّر، ولبنان المركّب لا يحتمل أن يميل بلا توازن لأي طرف، فكيف إن كان هذا الطرف على خلاف مع الإجماع الدولي ويقايض بمصير اللبنانيين؟

 

3- تحديد الهوية: أي موقف من السلاح يجب أن ينطلق من تحديد أي لبنان نريد، فالفارق شاسع بين من يريدون لبنان دولة حديثة على أسس دستورية، ومن يريدونه ذراعاً لمشروع ثوري مذهبي خارجي.

من هنا، لا بد من المجاهرة بأن لبنان الذي يريده معظم أبنائه هو ببساطة لبنان "سويسرا الشرق". لبنان الرقيّ والحضارة والسلام. لبنان النهوض والتقدم والعلم والفن والإبداع والجمال. لبنان المحايد الذي يعرف حجمه الجغرافي والسياسي، فيبني دوره على الريادة والتواصل، لا على الحروب والتقاتل.

لدينا سابقة تاريخية مشرقة بين خمسينيات القرن الماضي ومطلع السبعينيات، حين كان لبنان مركز إشعاع اقتصادياً وثقافياً وسياحياً في المنطقة، بفضل حياده واستقراره. وإذا أردنا استعادة هذا النموذج، فإن دور السلاح يصبح حصرياً بيد الشرعية، أي الجيش والقوى الأمنية اللبنانية، تماماً كما هي الحال في الدول المستقرة، حيث السلاح يحمي الأوطان ولا يجرّها إلى صراعات الجغرافيا السياسية.

 

من هنا، تسقط مقولة "سلاح الشرعية لا يكفي" أو أن "الدول الكبرى لا تريد تسليح لبنان". فالمسألة أعمق من العتاد والتسليح؛ إنها مسألة هوية وخيار ووعي وقرار وطني. وعندما نحسم خيارنا نحو لبنان الرائد، تسقط كل النظريات الميليشيوية وينتهي منطق الحروب العبثية. فمن قال إننا نريد سلاحاً لنحارب به الأمم أصلاً؟ وبأيّ منطق نفرض على لبنان، هذا البلد الصغير، حروباً وأوزاراً لا طاقة له على حملها إلا في الأوهام؟

كفانا جنوناً. لسنا شعباً سطحياً، ولا ينقصنا وعي أو جرأة، فالخروج من الحلقة المفرغة يتطلب قراراً وطنياً شجاعاً، لا يخضع للتهويل، ولا ينتظر التسويات الإقليمية، بل يحدد هوية لبنان ودوره بنفسه: إما أن يكون لبنان دولة حيادية رائدة تحميها مؤسساتها تحت سقف الدستور، أو أن يبقى ساحة صراعات يحكمها سلاح خارج الشرعية ومنطق عنفي ثأري غير واع. والاختيار هنا ليس ترفاً، بل مسألة حياة دولة أو زوالها.

وللتاريخ، لا بد من الإيضاح أن لبنان الذي نريده هو لبنان القوي، بعكس ما يسوّق أصحاب نظرية "الممانعة" وأرباب الدويلة. فلبنانهم، أظهر بما لا يقبل الشك، مستوى الوهن والضعف والفشل الذي وصلوا وأوصلونا إليه. أما لبنان الذي نريده، فيتّسع للجميع ولا يلغي أحداً، بينما لبنان "الممانعة" إقصائي بطبيعته، لا يتسع لأحد، ويتغذى على أدبيات التخوين الخشبية، والاغتيالات، وقمع العقول، وإبادة الأحرار. والتاريخ القريب خير شاهد.

 

إن مسألة حصرية السلاح إذن، تدعونا لأن نكون أبطالاً فعليين يكتبون انتصارهم، لا تابعين موهومين يراكمون الخسائر والخيبات.

 

... عند هذا المفترق التاريخي يقف لبنان اليوم، والغد لناظري الحق والريادة والحقيقة… قريب.

 

* باحث في الإدارة السياسية

- المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية. 

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".
لبنان 10/7/2025 1:21:00 PM
 النائب رازي الحاج: ابتزاز علني لأهل المتن وكسروان وبيروت