من تحت السنديانة إلى الأربعة أيّام

المهندس ريبال الياس سميا
يُستأنف العام الدّراسي هذه السّنة، على وقع قرارٍ إداريّ صَدَرَ عن وزارة التّربية والتّعليم العالي، باعتماد أربعة أيام دراسيّة في الأسبوع، في المدارس الرّسميّة. هذا القرار، الذي أثار جدلاً، وأخذاً وردّاً في الوسط التربوي. وكما هو ظاهرٌ من خلال وسائل الإعلام، جاء بناءً على اعتبارات لا تتعلّق بالتّربية وبتطوير المناهج، إنّما لدواعٍ ماديّة.
بالمبدأ، أغلب التلامذة في المدارس الرّسميّة، سيكونون فَرِحِين بنتيجة القرار. الأهل يُعينُهُم الله. والأساتذة، من بعد تحدّي الأونلاين وتداعياته، يجدون أنفسهم أمام امتحان جديد. أمّا المؤسسات التّربويّة الخاصّة فاعتبرت نفسها غير معنيّة بالقرار.
في خِضم هذه المَعمَعَة، يبقى الأستاذ والتلميذ، في المدارس الرّسميّة، بين مطرقة القرار وسندان العام الدّراسيّ.
من وجهة نظرٍ أُولى، هذا القرار الجديد بشكله، والغامض بنتائجه، في بلدٍ تعوّد على الرّوتين والرّكود الإداريّ والقانونيّ، يمكن أن تكون لديه أثار "غريبة" على النّظام التّعليمي في لبنان، الذي هو أصلاً لا يزال يعاني من تداعيات النّكبات التي أصابته في السّنوات القريبة الماضية، من كورونا، وأزمة اقتصاديّة، وحروب... حيث أنّ وكما هو ظاهر إلى الآن، فالقطاع الرّسمي هو اليتيم التزاماً بهذا القرار. وبذلك يكون بعض التّلاميذ في لبنان، يدرسون منهاجاً تختلف كميّة مضمونه عن رفاقهم في المدارس الخاّصة. إلّا إذا استخرج القيّمون بعض التّرقيعات، وأسقطوها على ما صنعت أيديهم، ناقلين نتائج القرار "من الدّلفة لتحت المزراب". بتقنيّة "الحشو" مثلاً، بحيث تُكثّف الدّروس؛ بوقت شرحٍ أقلّ. أو تقنيّة الحَذف، بحيث يختفي جزء من مضمون هذا المنهاج في المدارس الخاصّة. ويبقى هناك الحلّ السّحري على قاعدة: "قدّر الله، وما شاءَ فّعّل" بحيث تبقى الأمور "سارحة والربّ راعيها".
ومن وجهة نظرٍ ثانية، يمكن أن يكون لهذا القرار، إنّ طُبِّقَ بشكلٍ علميّ ومدروس، نتائج إيجابيّة على القطاع التّربويّ في لبنان. فهو ليس بقرار جديد، علماً أنّ بعض الدّول في العالم، تعتمد أسبوعاً تعليميّاً يتألّف من أربعة أيّام. لكنّ القرارات بهكذا حجم تأثيريّ على توجّه الدّولة التّربويّ العام، وبهكذا كمٍّ من الأشخاص المتأثّرين بها، يجب أن تتّبع اليّة تطبيقيّة علميّة ومدروسة، تبدأ بِدَرسِها من قِبَل لجنة تتألّف من أصحاب الاختصاص، تقيّم أثرها العلميّ، الاقتصاديّ... وتضعها تحت الاختبار لمرحلة تجريبيّة، ثمّ تقيّمها، وتعدّلها حيث يجب، إن وَجَبَ، ثمّ تعتمد تطبيقها بشكل تدريجيّ ومنهجيّ.
ما هو مصير العام الدّراسي؟ والأهم ما هو مصير الشّهادات الرّسميّة؟
القرار موضِعُ الاتّهام، هو بريء حتّى تتمّ إدانته. ويبقى في النّهاية لأصحاب الاختصاص والخُبُرات في القطاع التّربوي والتّعليمي، وَحدَهم، الحقَّ لإبداء الرّأي، وتقييم صوابيّته من عِدَمِها. وإلى حين صدور الحُكم العلميّ؛ أمامنا سنة دراسيّة حماسيّة حافلة بالمؤتمرات والمناقشات، والمفاجأت.
رَحِم الله أيّام شارل مالك، فؤاد بطرس، غسّان التويني، إدمون رزق، وغيرهم من الكبار. تحيّة إلى مدرسة "عين وَرَقة" ومَدَارِس "تحت السّنديانة" التي خرّجت الدّويهي، والحاقلاني والبستاني...
عشتم، وعاشت القرارات التّربويّة في لبنان.
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.