24 على 24

أ.أحلام محسن زلزلة
كهرباء دولة أم اشتراك؟ معزوفة فواتير طويلة تخطف ما تبقّى من أنفاس المواطن وفتات راتبه.
حياتنا مرهونة بعدد ساعات التّغذية الكهربائيّة. فإما علينا القبول بهذا المونولوج وإما الغرق بالعتمة الشّاملة.
المواطن يُدرب نفسه على التّوفير في الطّاقة، وحفظ مواعيد التّعتيم. عليه تكهّن متى يغسل الملابس ومتى يضيء الغرفة ومتى يطفئ الثّلاجة ومتى يشغّل السّخان... وكلّ الأدوات الكهربائيّة تقاتل معه في معركته المهزومة تعلن العصيان على اشتراك "أبو النّور"، وتنتظر شرف زيارة الكهرباء الشّرعية، لتُنجز العمل بخمس دقائق فقط.
فيما تجاهر الدّولة ببُشرى سارّة للمواطنين أن التّيار سيأتي ثلاث ساعات متواصلة! فيسارع المعذّبون في الأرض لالى إطلاق الرّصاص ابتهاجاً، وإن تسبّب ذلك بسقوط ضحايا لا ذنب لها، سوى أنّها تواجدت كصادفة في مكان الابتهاج بكهرباء الدّولة.
آخر الشّهر يوم مجيد في حياة الموظّف السّعيد المتّهم بأنّه السّبب في عجز الخزينة وشلّ حركة السّوق بسبب ثرائه غير المشروع.
آخر الشّهر يوم مشؤوم مدفوعة فاتورته من أعصابي. أسرع إلى الصرّاف الآلي بمؤازرة الآلة الحاسبة وأنا أقسّم طول الطّريق المبلغ على فواتير المولد، المياه، الهاتف، النّت... كلها تتربّص براتبي وتشفطه فلا يبقى منه سوى الوصل المصفّر في يدي.
ناهيك بالكهرباء الّتي تصعق جسدي حين أخرج من المنزل ليبدأ لقائي مع أعلى صقور الدّولة، صاحب مولد الاشتراك، الذي يقف كعمود كهربائي بلا نور ويرميني بنظرة حادة فيها تهديد مبطّن: إمّا دفع الفاتورة وإمّا قطع الكهرباء. وأنا أنحني مذلولاً أمامه كأنّي عبد تمّ شراؤه من سوق النّخاسة.
يا للعجب! قدرنا أن نُستعبد من "أسياد الموتورات".
فبينما أحلم بكهرباء 24 على 24 ساعة، هناك من يقترح الطّاقة الشّمسيّة حلاً بديلاً. لكن أنّى ذلك فالشّمس خجولة ممكن أن تحرد خلف الغيوم وتختفي، وقتها سنعود مرغمين إلى تحت رحمة اشتراك الموّلد.
فكّرت جلياً في التّخلّص من الرّعب الّذي يلتهمني كل آخر شهر ولو باستمرار حياتي على ضوء هاتف مشحون من نور عينيّ.
اقترحتُ ذات ضيق شبه حلّ: لمَ لا تأخذ الدّولة راتبي مباشرةً ثمّ تُقسّمه، وتوزّعه على أقطابها أصحاب التّقديمات الرّثّة فتوفّر عليّ مشقّة المرور بالصرّاف ومتاعب التّحصيل؟
وأنا بدوري سأوقّع على تعهّد بأنّني سأبقى مواطناً مواظباً على حبّ الوطن، مواطناً شريفاً يحتفي طوال حياته بسمعته الطيّبة وسيرته الحسنة بين النّاس. سلاحي الفعال تحويل المصيبة إلى منشور ساخر على الـ reels أو story.
فنحن في بلد ليس بحاجة إلى طاقة بديلة، بل إلى واقع بديل.