الممنوع من الصرف رحلة من الصف الثامن الى المصارف: حين يصبح المنع واقعاً

منبر 25-08-2025 | 11:23

الممنوع من الصرف رحلة من الصف الثامن الى المصارف: حين يصبح المنع واقعاً

نعود بالذاكرة الى مقاعد الدراسة، تحديداً الى صف الثامن أساسي، يوم كنا نتعرّف على قواعد النحو نقف امام الباب الغامض الذي يحمل عنوان "الممنوع من الصرف". 
الممنوع من الصرف رحلة من الصف الثامن الى المصارف: حين يصبح المنع واقعاً
من الارشيف
Smaller Bigger

المحامي ربيع حنا طنوس 

 

 

 

نعود بالذاكرة الى مقاعد الدراسة، تحديداً الى صف الثامن أساسي، يوم كنا نتعرّف على قواعد النحو نقف امام الباب الغامض الذي يحمل عنوان "الممنوع من الصرف". كان المعلم يشرح لنا بحماسة كيف أن بعض الأسماء ترفض التنوين وان خروجها عن القاعدة لا يعني الفوضى بل انتظاماً آخر، أشد دقة وأكثر صرامة. لم يكن يخطر في بالنا حينها ان هذا المفهوم سيخرج من كتب النحو ليحكم حياتنا، وان "الممنوع من الصرف" سيغدو درساً يتجلى يومياً في حياتنا المالية والاقتصادية، حيث تختبر القواعد واقعناً.
اليوم لم يعد التمرين نحوياً، بل مالي. المواطن المودع يجد نفسه امام معادلة لا يفكّ ألغازها: ماله مودع في المصارف، لكنه "ممنوع من الصرف" كأن التنوين الذي حُرِمت منه الأسماء قد استحال حرماناً من الحقوق، فتساوى النحو بالاقتصاد، وصارت الجملة والمعاملة المصرفية يلتقيان عند قاسم مشترك: المنع. 

 

 

 

ينص الدستور اللبناني في مادته الخامسة عشرة على أن "الملكية في حمى القانون وعلى انه لا ينزع عن أحد ملكه إلا لاسباب المنفعة العامة، وفي مقابل تعويض عادل". لكن الواقع يقول شيئًا آخر: ملايين اللبنانيين جُردوا من القدرة على التصرف بملكيتهم الخاصة من دون منفعة عامة وتعويض عادل. بل كأن القانون نفسه صار ممنوعاً من الصرف، فاقداً قيمته العملية.
الأخطر أن المودعين ليسوا سواسية أمام هذا المنع. فهناك مودعون "محظيون" نُسجت لهم مسالك استثنائية، سحبوا أموالهم او هرّبوها بطرق مشروعة وغير مشروعة، فيما الغالبية من "غير المحظيين" تُركوا أسرى الانتظار على أبواب المصارف. وهنا ينهض مبدأ المساواة وهو من المبادئ الدستورية العامة ليذكّر بأنّ القانون يجب ان يكون واحداً في معاملته للجميع من دون فرق أو تمييز. صحيح انّ المشرّع قد يميز بين المواطنين إذا وُجدوا في أوضاع قانونية مختلفة او إذا اقتضت المصلحة العامة ذلك، لكن شرطه الاساسي ان يكون التمييز متوافقاً مع غاية القانون لا مع مصالح فئة محدودة. وما نعيشه اليوم ليس سوى انتهاك فجّ لهذا المبدأ.
ومع مرور الوقت، يتكّشف بُعد أكثر قسوة للازمة. فما قيمة استرجاع الأموال بعد سنوات طوال حين يكون الدائن قد فقد القدرة على الاستفادة منها، لا بل على الحياة الكريمة ذاتها؟ إنّ الزمن حين يُضاف الى الخسارة يتحول الى شكل آخر من أشكال المصادرة، يصادر العمر كما يصادر المال، ويجعل من العدالة المنتظرة ظلاً باهتاً لا يُعيد الى الناس ما فقدوه فعلاً: حيواتهم.
  إنّ استدعاء الماضي المدرسي ليس حنيناً عابراً، بل محاولة لالتقاط خيط يربط بين اللغة والقانون والواقع. فكما أنّ الاسم "الممنوع من الصرف" يحمل خصوصية تفرض احترامها، كذلك الوديعة المصرفية تحمل قدسية الملكية التي يَفترض في الدستور ان يصونها. لكن في غياب دولة تطبق القانون وتكفل العدالة، يتحول "الممنوع من الصرف" الى استعارة مؤلمة عن وطن يعلم أبناءه القواعد ثم ينقضها بالممارسة.
هكذا، يصبح الدرس الأول في النحو انعكاساً للدرس الأخير في السياسة والاقتصاد: الحقوق يمكن أن تُحجب والقوانين يمكن أن تُفسر بما يُفرغها من مضمونها، والملكية التي قال الدستور إنها في حمى القانون يمكن ان تتحول إلى اسيرة خزائن لا تُفتح إلا بشروط تعسفية.
وعليه، لاستعادة الأموال يتعين ان يكون هناك التزام حقيقي للمبادئ الدستورية والقانون، بحيث تتحقق العدالة عملياً وليس بمجرد نصوص على ورق، ويصبح "الممنوع من الصرف" درساً حياً للكرامة والبناء والمساءلة.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

لبنان 11/26/2025 5:22:00 AM
كل ما يجب معرفته عن زيارة الحبر الأعظم الأحد
لبنان 11/26/2025 2:32:00 PM
وجّه الأمين العام لـ"حزب الله" الشيخ نعيم قاسم، رسالة إلى "التعبويين المجاهدين" ‏في "يوم التعبئة" السنوي
لبنان 11/26/2025 3:37:00 PM
من خلال الكشف الذي أجرته شعبة المعلومات، تبيّن أن أفراد العصابة أحدثوا فجوة في الجدار الخلفي للمحل من جهة منزل مهجور، وتمكّنوا عبرها من الوصول إلى متخت المتجر.
لبنان 11/26/2025 5:55:00 PM
تمّ تعديل التعاميم بحيث تمّ السماح للموسسات الفردية والجمعيات المرخصة من المراجع المختصة (خيرية أو دينية) الإفادة من التعميمين.