توبوا لقد اقتربت جهنّم الأرض

الأب فادي سميا
يعيش العالم اليوم على وقع أزمة بيئية غير مسبوقة، تتجلى في تغيّر المناخ وارتفاع حرارة الأرض، وهي أزمة لم تعد مجرّد نظرية علمية بل واقع ملموس نشهده في الفصول غير المنتظمة، والكوارث الطبيعية المتزايدة، وتراجع الموارد الحيوية.
الاحتباس الحراري، الناتج أساسًا عن انبعاث الغازات الدفيئة مثل ثاني أكسيد الكربون والميثان، يتسبب في ذوبان الجليد، وارتفاع مستوى البحار، واضطراب النظم البيئية. وهذا الواقع لا يهدد الطبيعة فحسب، بل يطال مباشرة حياة الإنسان، خصوصًا الفقراء والمهمشين الذين يدفعون الثمن الأكبر من دون أن يكونوا السبب الأكبر.
من منظور الكنيسة الكاثوليكية، ليست الأزمة البيئية مسألة علمية فحسب، بل قضية أخلاقية وروحية أيضًا. فالله أوكل إلى الإنسان مهمة "حراثة الأرض وحراستها" (تكوين 2: 15)، أي أن يكون وكيلًا أمينًا على الخليقة، لا مستغلًّا لها حتى التدمير. البابا فرنسيس، في رسالته العامة كُن مُسبَّحًا (Laudato Si’)، شدّد على أن العناية بالبيت المشترك هي واجب ديني وإنساني، ودعا إلى "تحوّل بيئي شامل" يعيد التوازن بين حاجات الإنسان وحدود الطبيعة.
الكنيسة ترى في التغير المناخي تهديدًا مباشرًا للسلام العالمي، إذ أن النزاعات المستقبلية قد تتغذى من نقص المياه، وانعدام الأمن الغذائي، والهجرات البيئية. لذلك، تُناشد الكنيسة الضمائر للعودة إلى أسلوب حياة أكثر بساطة، وتقليل الهدر، واعتماد مصادر طاقة نظيفة، وتشجيع السياسات التي تحمي البيئة وتدعم العدالة الاجتماعية.
لكن مواجهة هذا الخطر لا تقتصر على الحكومات والمنظمات، بل تبدأ من كل فرد وعائلة، في الخيارات اليومية: الاقتصاد في استخدام الكهرباء، الحد من التلوث، زراعة الأشجار، ودعم المبادرات البيئية. إنها توبة بيئية، كما يسميها البابا فرنسيس، تنبع من حبنا لله وخليقته.
إن التغيير المناخي ليس قدَرًا محتومًا، بل تحديًا أخلاقيًا يتطلب إرادة جماعية ورؤية إنسانية–روحية شاملة. فالخليقة ليست ملكُنا المطلق، بل عطية مقدسة ينبغي أن نسلّمها للأجيال المقبلة كما تسلمناها، بل أجمل وأنقى. وكما يقول المزمور: «للرَّبِّ الأرضُ ومِلؤُها، المسكونة وجميع الساكنين فيها» (مز 24: 1).
إذا صمتنا اليوم، ستتكلم الأجيال القادمة بلغة العتب والمرارة: لماذا ورّثتمونا أرضًا منهكة وهواءً ملوثًا وبحارًا غاضبة؟ حينها، لن ينفع الندم، لأن وقت التوبة البيئية هو الآن، لا غدًا. فإمّا أن نُصغي إلى صرخة الخليقة ونغيّر أسلوب حياتنا، وإمّا أن نكون شهودًا على انقراض الجمال الذي أودعه الله بين أيدينا… فهل نختار الحياة لنا و لأحفادنا ؟