فروض الدولة وإعلان العزيمة

المحامي ربيع حنا طنوس
بين أحضان البحر المتوسط وشموخ جبال لبنان، حيث تمتزج أسرار الأرض بعبق التاريخ، ينبض وطنٌ لا يعرف الانكسار، يروي حكاية عزيمة وصمود لا تنتهي. منذ توقيع اتفاق الطائف، الذي أنهى حرباً دامية ووضع أسس بناء الدولة على قاعدة شرعية موحدة، بدأ لبنان مسيرته نحو توحيد السلاح بيد الدولة، باعتباره شرطاً أساسياً لاستعادة النظام وتعزيز السيادة. هذا المسار وُقّع عليه، وأيده المجتمع الدولي بقرارات حاسمة، أبرزها قرار مجلس الأمن ١٥٥٩، الذي دعا إلى نزع سلاح الميليشيات وإرساء سلطة الدولة على كامل الأراضي، والقرار ١٧٠١ الذي كرّس استمرار سيادة لبنان وضرورة تثبيت الهدنة والأمن.
رغم وضوح النصوص والقرارات، ظلّت الطريق معبّدةً بالتحديات السياسية والاجتماعية؛ والتشابكات الداخلية المتنوعة والمرتبطة ببُنى معقدة أعاقت مسيرة تحييد السلاح غير الشرعي، ومنع انتشاره خارج سلطة الدولة؛ أضف إلى ذلك الخوف من فقدان الحماية، وهو عامل نفسي واجتماعي يحول دون الاستسلام الكامل للدولة، ويجعل من عملية سحب السلاح اختباراً دقيقاً للّحظة الوطنية الحقيقية. وفي الأسبوع المنصرم، وبصوت إجماع نادر، أطلقت الحكومة اللبنانية إعلاناً واضحاً للعزيمة الوطنية، حيث قرّرت سحب السلاح غير الشرعي من خارج سلطة الدولة وبمهلة زمنية. هذا القرار لم يكن مجرد إجراء إداري، بل رسالة حاسمة تؤكد أن الدولة تستعيد قبضتها على قرارها، وأنها مصممة على إنهاء الفوضى المسلحة التي تهدد استقرار الوطن. هو إعلان أن السيادة لا تقبل الشراكة، وأن الدولة وحدها هي الحارسة الشرعية، مهما كانت التحديات والصعوبات التي تعترض الطريق.
رغم جسامة القرار، تبقى عقبة التنفيذ هي المحك الحقيقي. فالطريق أمام الدولة ليست ممهدة إذ تتطلب مواجهة مقاومات داخلية وخارجية، وتجاوز تراكمات طويلة من الانقسامات والمصالح المتعارضة.
في هذا المضمار، يقف الجيش اللبناني كحارس أمين على عهد الدولة، مرتدياً بزّة الشرف التي تحمل العلم اللبناني وأيقونة الأرز. هو الحارس الذي يحمل على عاتقه مهمة تطبيق القرار، مهما كانت المشقّات، هو التعبير الحيّ عن عزيمة الدولة التي لا تلين. بدون قوة الجيش ورسالته الواضحة، يبقى القرار حبراً على ورق، والبلد غارق في دوامة الفوضى التي تهدد نسيجه الوطني.
الدولة ليست مجرد كيان سياسي محصور بالجعرافيا والحدود، بل هي فكرة تتطلب عزيمة لا تلين وإرادة تتجاوز العقبات. احتكار السلاح ليس فرضاً قانونياً فحسب، بل تجسيد لسيادة الدولة الوطنية وصدق الالتزام تجاه الوطن.
من أعماق التحديات تنبثق الدولة، تتحول من حلم هشّ إلى حقيقية متجذرة في الوعي الجمعي، حيث يلتقي الفكر بالتنفيذ، والحلم بالواقع. مع إعلان العزيمة، هل سيشهد وطننا فجراً جديداً ينبثق من رحم التحديات والانتظار؟