أن تكون مسلماً أو مسيحياً!

منبر 08-08-2025 | 09:52

أن تكون مسلماً أو مسيحياً!

كل إنسان في مسجده أو كنيسته أو معبده هو مشروع ناقد ومسائل وملاحظ ومتابع يتعدى بحسه العام كل حدود طائفته أو بيئته. هكذا هو الأصل في مشروع الله الذي أعده له ودعاه إليه بعيداً من مسميات الانتماءات العقيدية التي تأتي في مرتبة ثانية بعد الذي يجب معرفته، وممارسته النقدية الإيمانية التي تمد شرايين إيمانه بالحياة. 
أن تكون مسلماً أو مسيحياً!
كنيسة مار جريس وسط بيروت
Smaller Bigger

محمد عبد الله فضل الله 


كل إنسان في مسجده أو كنيسته أو معبده هو مشروع ناقد ومسائل وملاحظ ومتابع يتعدى بحسه العام كل حدود طائفته أو بيئته. هكذا هو الأصل في مشروع الله الذي أعده له ودعاه إليه بعيداً من مسميات الانتماءات العقيدية التي تأتي في مرتبة ثانية بعد الذي يجب معرفته، وممارسته النقدية الإيمانية التي تمد شرايين إيمانه بالحياة. 

 

 

ما نراه ونسمعه أنّ كثيرين من المزيفين في غالب قطاعات الحياة باتوا هم الناطقين الرسميين باسم طوائفهم، وهم من يمتلكون سر المعرفة التي تخولهم رمي الآخرين جزافاً بالجهل أو الانحراف وصولاً إلى التضليل والتفسيق، بل الجهل ما هم عليه من ترهات أساءت لأنفسهم أولاً وللواقع ثانياً.
وربطاً بذلك، ليست عملية النقد في عرف الله للتسلية كونها وظيفة أساسية وحيوية في مسيرة الإنسان، تضعه أمام اختبارات قلقة لتجترح منه قرارات تنساق من حسن الاخيتار ومع قوة الإدراك والإحاطة بكل تفاصيل الوجود وليس الحياة المادية البهيمية.
من هنا لا بد من الوصول إلى مرحلة نُظهر فيها هذا النقد من خلال المسؤولية المعرفية التي تغيب عن كثير من ساحاتنا التي لا تزال بدائية، لا تقارع الحجة بالحجة ولا الدليل بالدليل، ولا تزال تقتات على الشائعات وفبركة الأخبار وتلفيقها والسماع من فلان ونقلاً عن فلان.
فيصير إذ ذاك السؤال الأصعب الذي يواجهنا هو كيف تبني إنساناً مسؤولاً وناقداً يتسلح بالبرهان يهدف إلى البنيان لا الهدم والتفرقة؟ فالحياة تحتاج إلى ما يبلسمها ويودع فيها كل جمال وإبداع وعطاء.
كذلك تطلب الحياة منا أن نواجه الظالمين والمفسدين الذين يهدمون أسس العيش الكريم ويدوسون على الحقوق والكرامات، فلا يمكن أن نتشارك في هدم الحياة مع هؤلاء الشياطين، بل المؤمنون حقاً هم من يصلحون والإصلاح عملية متكاملة تبدأ بالمساءلة والملاحظة ولا تنتهي عند حد، بل تتماهى مع مشروع الله وكلمته.
من كل ذلك ننطلق إلى القول أننا عندما نتغلب على أنانياتنا ونضع الأصبع على عقدنا، لا بد من التفكير والانتقال من الدائرة الفردية المتماهية مع المذهب والطائفة إلى دائرة التفكير على مستوى الجماعة والأمة. ولا يمكن إذ ذاك إلا التغلب على منطق تكفير الآخر وإلغائه وترهيبه، والعمل على إبقاء عناصر وحدة التراث والحضارة والعيش المشترك لا المساهمة في مذبحة هذا التراث وتقطيعه كلٌّ على طريقته. 
أن نخرج من دائرة الانعزالية والتقوقع المناطقي والكانتوني فهذا أمر مستصعب وبغاية الأهمية، إذا أردنا فعلاً بناء مجتمع تولد منه دولة ومؤسسات من دون اللجوء إلى مظلات خارجية طلياً للنصرة أو الحماية، فالاستعمار لا يريد سوى إبقاء هذه الانعزالية مهيمنة على المسلمين والمسيحيين وأن يبقى الخوف من الآخخر هو المسيطر حتى يستطيع تنفيذ مشاريعة وخدمة مصالحه. فلا يهمه النقد البنّاء الذي يصوغ الشخصية الواعية لأن مثل هكذا شخصية ستلتفت إلى حجم تدخلاته حتى في النقد ذاته. 
باعتقادي إن تفكيك المنطقة كما تقطيع أوصال إنسانها وتواصله مع هويته الأصيلة، يسير على قدم وساق ضمن مشروع أميركي- صهيوني للشرق الأوسط الجديد بخرائط جغرافية جديدة قائمة على أساس دويلات طائفية، وتسويق التسلع والتفاهة في كل شيء وصولاً إلى إحباط همة أبنائها وهجرتهم تحت ضغط الظروف الاقتصادية أو السياسية والاجتماعية . 
دفع التأثير السياسي والإعلامي والمالي الهائل على المستوى الدولي والإقليمي ويدفع الى التلاعب بمصير الأوطان، ببعض المسيحيين كما المسلمين، إلى أن يكونوا مذبذبين لا يعرفون ماذا يريدون، وعلى أي شيء يتفقون أو يختلفون على مستوى القاعدة حتى القيادة؟
لا رؤية لديهم لحاضرهم ومستقبلهم، فإذا كان الخلاف مستحكماً ضمن أبناء المذهب الواحد، فكيف بك إذا أردت أن تجمعهم مع غيرهم على كلمة سواء؟
معنى أن تكون مسيحياً أو مسلماً فذلك يساوي اليوم ما تكون عليه وطنيتك، وما يكون عليه وعيك لواجباتك حيال نفسك والآخرين وما يحتّمه عليه ضميرك. فليس أدعى من لحظة كهذه اللحظة العصيبة التي يمر بها البلد من أن يتوحد أهله على اختلاف مشاربهم ويعالجوا قضاياهم الخلافية بالحوار وروح المسؤولية تجنباً لتفجير البلد، وأن يعودوا إلى روح الإنجيل والقرآن، فإذا كانت المسيحية محبة وسلام وتسامح وخلاص، وإذا كان الإسلام تعاون على البر والتقوى والحكمة والموعظة الحسنة، فلماذا كل هذه الصراعات التي تتوالد مع كل جيل؟
فحذار اليوم من الفوضى والمجهول إن لم نضع لأنفسنا رؤية واضحة ونبدأ بالسير على السكة الصحيحة، فلن يبقى وطن نؤوي إليه والحق أنه – الوطن – نحن من يبقيه ويحميه، فلقد أخذنا منه الكثير وحري بنا أن ننتصر له فهو الهيكل الكبير إن سقط فيسقط على الجميع.

 

 

المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الاعلامية

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

النهار تتحقق 11/15/2025 9:19:00 AM
"تقول السلطات إن الأمر كله مرتبط برجل واحد متهم...". ماذا عرفنا عن هذا الموضوع؟  
مجتمع 11/13/2025 4:43:00 PM
أكّد المدير العام للطيران المدني المهندس أمين جابر أنّ التحويل في مسار الرحلات جاء نتيجة الأحوال الجوية القاسية في الشمال.