أيام بطيئة ورديئة

سعد نسيب عطاالله
بعد سنوات من "الجرجرة" الشهرية إلى المصارف لتسول حفنة من الليرات اللبنانية على معدل خمسة عشر ألفا ليرة مقابل سعر صرف كل دولار منهوب، أدى ذلك إلى التزامي البقاء في بيئة قروية ضيقة، قررت عندئذ تبديل بعض الروتين اليومي الممل، وأعود إلى كتب سبق أن جمعت فيها مقالات نشرت أو لم توافق وسائل الإعلام المكتوب على نشرها، إما تجنبا للإحراج، أو لعدم توريطي في محاكم القدح والذم.
طالما أنني كنت ولا أزال ضد مبدأ دعوة معارفي وإيقاعهم في مناسبات توقيع كتبي، بقيت لدي أعداد عديدة منها مكدسة في زاوية جافة من منزلي، ما دفعني إلى نقل مئات منها إلى بيت حجري قديم موروث عن الأجداد.
يقع هذا المنزل مباشرة على الطريق العام غير المزدحم بالسيارات جراء فصل طريق البلدة عن بلدات الجوار بعد تنفيذ مشروع طريق المتن السريع.
وضعت بعض هذه الكتب على طاولة خشبية بمحاذاة الطريق العام، وأمضيت ثلاث ساعات إلى جانبها أترقب العابرين من أهالي البلدة الكرام، أقدم خلالها نسخة مجانية عن أحد كتبي، لكل منهم، أو منهن، الذين هم من أهالي البلدة ومن النازحين السوريين القاطنين فيها.
لقي هذا العمل استحساناً لدى البعض، واتهاماً بحب الظهور والتشوف عند البعض الآخر، وهذه ظاهرة عادية في تركيبة المخلوق البشري الناقصة.
نصحني بعض من تحدثوا إلي بتوزيع هذه الكتب مقابل بدل، ولو هزيل، منعاً لإحراج بعضهم، فكان جوابي إنني لم استرزق فلساً واحداً عن مقالاتي المنشورة يوماً، لأنني أكتب "عكس التيار"، ومهما كانت ألوان أمواجه.
إنها تجربة ومحاولة كان لابد من اتخاذها، درءاً للملل، والكسل، بعيداً عن العزلة والفراغ.
غريبة أطوار إنسان اليوم في لبنان، التائه بين المنتظر والمنظور، وبين فقدان الأمل واقتراب العبور إلى شاطئ الأمن والأمان المعيشي، والوجودي الإنساني الحقيقي.