أهمية تحديد المشرّع لمفهوم "إخلال رئيس مجلس الوزراء والوزراء بالواجبات"

د. إبراهيم العرب
بتاريخ1990\8\18 صدر القانون الرقم 13 الخاص بأصول محاكمة الرؤساء والوزراء، وحسم الجدل من وجهة نظر غالب فقهاء القانون الدستوري في ما يتعلّق بمدى جواز ملاحقة الوزير أمام القضاء العادي في الجرائم التي يرتكبها بمناسبة قيامه بمهماته، كالرشوة والاختلاس، وخصوصاً في المادة 42 منه التي تقضي بما يأتي: "باستثناء خرق الدستور والخيانة العظمى والاخلال بالموجبات المترتبة على رئيس الحكومة والوزير، يكون المجلس الأعلى مقيداً بالقانون في وصف الجنايات والجنح الممكن فرضها، ويحق له تعديل الوصف القانوني في قرار الاتهام"، بحيث حجبت هذه المادة، في رأي أكثرية الفقهاء، صلاحية القضاء العادي في كل ما يرتكبه الوزير من إخلال في الواجبات المترتبة عليه والجرائم والجنح التي يمكن أن يرتكبها أثناء قيامه بمهماته أو بمناسبتها، باستثناء الجرائم أو الجنح العادية التي لا تمت إلى وظيفته بأي صلة. ولذلك، عندما لوحق بعض الوزراء في معرض جرائم مفترض أنها ارتكبت في معرض ممارستهم مهماتهم، أصدرت محكمة التمييز الجزائية، الغرفة الثالثة، بتاريخ 24\3\1999 قرارها الشهير: "إن الأولوية في ممارسة هذا الحق تعود إلى المجلس النيابي، فإذا تقاعس عن مباشرة الملاحقة بموجب النص، تقوم النيابة العامة عندئذٍ بتحريك الدعوى العامة أمام القضاء الجزائي".
د. إبراهيم العرب
وعليه، إذا اعتمدنا اجتهاد الهيئة العامة لمحكمة التمييز اللبنانية، فتكون جرائم الإخلال الوظيفي الناجم عن أخطاء الوزراء أو رئيس مجلس الوزراء ذات الطابع السياسي فقط تدخل في اختصاص المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، أما جرائم الإخلال الوظيفي ذات الطابع الشخصي أو الاداري التي يرتكبها الوزير بمناسبة قيامه بمهماته، كالرشوة والاختلاس، فتكون من اختصاص القضاء العدلي، لأنها تعدّت الشقّ السياسي، باعتبار أن المادة 70 من الدستور التي تتناول كيفية اتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء بارتكاب الخيانة العظمى أو الإخلال بالواجبات، تشكل استثناء للقواعد والمبادئ القانونية العامة، كمبدأ المساواة أمام القانون واختصاص القضاء كسلطة مستقلة في ملاحقة الجرائم.
ولكن قول أكثرية الفقهاء الدستوريين أن المادة 42 من قانون 13\90 حسمت الأمر، لا يعني بالضرورة تبنّي مضمونها، إذ عمدت الهيئة العامة لمحكمة التمييز من خلال قرارها الصادر بتاريخ 8\3\2000 في معرض تصديها للقضية نفسها، إلى التفرقة بين الجرائم السياسية والجرائم العادية، بحيث قضت بأن الفئة الأولى تحال أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والفئة الأخرى أمام القضاء العدلي.
ومع ذلك، نشك في أنّ الجدل قد حُسم في لبنان، ونقترح على المشرّع اللبناني أن يحدّد وصفاً قانونياً لـ"الإخلال بالواجبات" في قانون أصول محاكمات الرؤساء والوزراء، لا أن يترك التنازع دائراً بين القضاء العدلي من جهة ومجلس النواب في الاتهام والمجلس الأعلى في المحاكمة من جهة أخرى، وذلك حمايةً لمصالح الدولة، وحتى لحفظ حقوق الوزير المتهم. فليحدّد المشرع إذن، ماذا تعني عبارة "الإخلال بالواجبات"؟ فهي في حدها الأدنى تعني عدم السهر على حسن سير العمل في الوزارة، والإهمال وعدم المواظبة على الحضور إلى مركز العمل، وعدم ممارسة الرقابة على أعمال الموظفين. وهي في حدها الأقصى تعني ارتكاب أعمال جرمية أو جنحية أثناء ممارسة الوزير مهماته، كالرشوة والتزوير، وبالتالي يتوجب تحديدها بدقة، في سبيل مزيد من الوضوح والشفافية والمساءلة وحسن تطبيق أحكام المادة 70 من الدستور.
ومن جهتنا، فإننا نرى أنه لا يجوز أن يبقى الاتهام مرتبطاً بصلاحية البرلمان الاستنسابية، فالتجربة في لبنان وفرنسا أكدت عدم فعالية هذه الطريقة، إذ تطغى الحسابات السياسية وعلاقات الصداقة مع النواب على حساب المصلحة العامة للدولة والمجتمع. ومع ذلك تبقى الكلمة الفصل للمشرّع اللبناني الذي ندعوه الى الحسم النهائي للموضوع في أسرع وقت ممكن.