مسح الغبار الأسود عن وجهه، فتح عينيه بصعوبة بالغة، أخذ نفساً عميقاً، استعاد وعيه بعد أن أمضى ليلة كاملة يتحسس حقيبة ابنته الوحيدة، كان صدى صرخاته يغرق في الفضاءات المفتوحة، لكن ما من مجيب، كمية الألم في تلك الليلة فاضت على الجدران، كادت تتحول روحه إلى رماد.

 صوت تسلل من شقوق سقف الغرفة المنهارة، كان يعرفه ولا يعرفه، فرك أذنيه جيداً عله يتذكره، عاد بذاكرته إلى الوراء، سقط في حفرة الذكريات، صمت لف ذراعيه على أعمدة المنزل حتى كاد يبعثر ما تبقى من أضلاعه، من أنت أيها الصاعد من رحم الليل؟ 
اسمع يا محمود، وحدي أعرف... ماذا تعرف؟
 فرك أذنيه ثانية، آه تذكرتك، أنت الذي جئتني في منامي ذات ليلة وطلبت مني أن تأخذ زوجتي في رحلة إلى السماء.. أسمعك الآن جيداً. 
-بعد هذا الليل هناك فجر بانتظارك يرتسم على كفي ابنتك... 
أين ابنتي لم أجد سوى حقيبتها؟
 إنها تغرد مع أمها في السماء تمسح لك سجل ذنوبك وتفتح أبواب أنهار عدن لك.
أريد أن أذهب إليها الآن، خذني إليها أرجوك. 
 لم يحن الوقت بعد أمامك مشوار طويل من الوجع، عليك بالصبر 
 لقد طاف الصبر من صبرنا، صرخنا على القريب والبعيد لكن دون جدوى، نحن وحدنا، لماذا وحدنا؟
 لا تجزع سيسأل الجميع عن هذا اليوم، من الحاكم حتى المحكوم؟ ماذا فعلتم؟
 أعرف أنك تحب الحياه لكن ليست كأي حياة!!
 أنت تحب الطعام المغمس بالكرامة الخالي من دسم الذل، 
  طواحين الحرب ستنتهي يا محمود، لكن إياك أن تبيع دم ابنتك وزوجتك وأصدقائك في سوق النخاسة العربي، لا تقدم اعتذاراً لهم، أنت ابن كنعان وملكي صادق اليبوسي.
ابحث في كل الوجوه ستجد نفسك قريباً من الله. 
تمدد الآن على جنبك اليمين وانتظر خروجك. 
نظر محمود إلى الأعلى شاهد ضوءاً ينكسر على وجهه، بدأت المطارق بالضرب على السطح حتى فتحت ثغرة فيه...
 خرج محمود، نظر في وجوه الدفاع المدني، ثم قال: الآن كان يحدثني عن ابنتي وزوجتي، أين ذهب؟ 
 أحد رجال الدفاع المدني: هدئ من روعك لا يوجد شيئأ هنا،
وضع الدفاع المدني محمود في السيارة وانطلقوا به إلى المشفى، أجرى الطبيب له الفحوصات الطبية وأخرجه على الفور لم يكن مصاباً بأي شيء.
عقارب الساعة أشارت للخامسة فجراً وعقارب ساعته توقفت عند لحظة من عمر الزمن، كيف له أن ينسى؟
غادر المشفى باحثاً عن خيمة، أشار له فتى كان يبحث عن بقايا الطحين في الرمل إلى نصف خيمة صعد قاطنيها قبل أيام إلى السماء.
دخل إلى الخيمة، وجد زجاجة ماء، تناولها بلهفة، فهو لم يشرب الماء منذ يومين.
جلس على باب الخيمة تذكر والده عندما كان يروي له قصصاً عنها،
أسدل رأسه فوق ركبتيه 
تذكر كيف مسح الدماء عن وجه زوجته، تبلل ذقنه بالدموع، 
 وقف... صرخ... يا إلهي أين ابنتي... هرع إلى المشفى يقلب الجثث التي امتلأت ساحته فلم يجدها.
هرول إلى المسعفين، اصطحبهم إلى منزله المدمر، بدأوا يصرخون لا أحد يجيب، الصوت مرة أخرى، قلت لك يا محمود إنها في رحلة إلى السماء.
محمود: أين جسدها أريد أن أتحسسه أطبع قبلة على جبينها
أحد المسعفين: هناك قطعه من اللحم يبدو أن جسد الطفلة قد تناثر...
محمود: لن أنادي أحداّ لنا الله والسواعد السمر.