فلسطين القضية بين سندان الانقسام الداخلي ومطرقة ترامب

د. جيرار ديب
قال وزير الخارجية الإسرائيلية جدعون ساعر، إن عودة الرئيس المنتخب دونالد ترامب في 2025، ستفتح آفاقاً جديدة للدولة اليهودية. وأكد ساعر، خلال اجتماع للجنة البرلمانية للشؤون الخارجية والدفاع، أن العام الجديد سيكون عاماً صعباً، ولكنه عام فرص كبيرة مع الإدارة الجديدة في الولايات المحدة بقيادة ترامب.
لا يحتاج الموضوع وقوف ترامب إلى جانب دولة إسرائيل لتأكيد من ساعر، فالجميع على دراية إنّ إدارة ترامب، كما إدارات سابقة في البيت الأبيض، لا تستطيع أن تضيع في بوصلة العمل لأجل إسرائيل. ولكنّ ما يوافق عليه البعض هو في ما قاله، إن التعقيدات ستكون عنوان هذه السنة، لاسيما في ما خصّ القضية الفلسطنية تحديداً.
بدأ رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، حربه على قطاع غزة رداً على عملية طوفان الأقصى، حيث أعلن، وبوضوح عن متغيرات ستحدث في الشرق الأوسط، وعن تنفيذ مشروع إسرائيل الجديد للمنطقة.
تسارعت الأحداث وتداخلت فيما بينها، وأقفل "حزب الله" اللبناني جبهة إسناده، واغتالت إسرائيل الكثير من قادة المحور، وسقط النظام في سوريا، ما أدى إلى إخراج إيران من سوريا، وقطع طريق إمداداتها إلى لبنان، وبدأت غزة شبه وحيدة في الحرب التدميرية التي تقودها الولايات المتحدة مستخدمة الأداة الإسرائيلية لتنفيذ المخططات.
عرفت إدارة جو بايدن بدعمها المطلق لإسرائيل في عدوانيتها، رغم أنّها وجهت إليها الكثير من الانتقادات على صعيدين: داخلي، تمثل بالمظاهرات الطلابية التي اعتبرت الأقوى في البلاد، وخارجي من خلال الدول في مجلس الأمن التي اتهمت واشنطن بالضلوع في تدمير غزة.
أيام تفصل وصول ترامب إلى البيت الأبيض، حيث في جعبته الكثير من الوعود لتحقيقها، في مقدمتها تلك التصريحات الغريبة والعالية النبرة التي وجهها إلى حركة "حماس" في حال لم تفرج عن المحتجزين قبل تسلمه السلطة، إذ جدد ترامب خلال إجرائه "مكالمة جيدة للغاية"، مع نتنياهو حول الحرب في غزة، تهديده، مكرراً ما قاله في وقت سابق من أن "مشاكل كبيرة ستحدث" إذ لم تطلق "حماس" سراح المحتجزين بحلول 20 كانون الثاني (يناير).
يعود البعض في الذاكرة إلى ولاية ترامب الأولى، وتحديداً إلى عام 2018، عندما أكد ترامب أنه لن يتراجع عن موقفه على صعيد الضرائب التي فرضتها إدارته ضمن الحرب الاقتصادية على تركيا في ملف رجل الدين الأميركي أندرو برونسون لدى أنقرة. سببت تلك التوترات الديبلوماسية بين البلدين انهيار العملة التركية مقابل الدولار، لتفقد حينها حوالي ثلث قيمتها مقابل العملة الأميركية. هذا الأمر دفع بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان للرضوخ مرغماً إلى تهديدات الترامب، حيث أمرت محكمة تركية برفع الإقامة الجبرية وحظر السفر عن القس الأميركي، الذي كانت قد وجهت إليه اتهاماً بـ"التجسس ودعم منظمتين إرهابيتين".
جنون ترامب في اتخاذ القرارات لا مثيل له، هو الذي وقع على مرسوم يصرّح فيه أن واشنطن تعترف بالقدس عاصمة لإسرائيل، كما وقع مرسوماً آخر ينقل ملكية الجولان إلى تل أبيب. والأخطر من ذلك يبقى، ما قدّمه مستشاره اليهودي جاريد كوشنير حول مشروع "صفقة القرن" لحلّ القضية الفلسطينية وإنهاء الصراع في الشرق الأوسط.
مطرقة جديدة سيستخدمها ترامب في الضعط على المنظمات الفلسطينية لاطلاق سراح المحتجزين، وهي حل الدولتين؛ إذ مع وصول ترامب إلى البيت الأبيض، قد يحدث انقلاباً كبيراً في هذه المسألة، فالإدارة الديموقراطية كانت تتحدث عن حل الدولتين بوصفه أفقاً استراتيجياً غير راهن لا بدّ منه، أما إدارة ترامب فلا أثر في خطابها لهذا الحلّ، بينما "السلام الإبراهيمي" هو ما تقترحه على العالم العربي.
واضحة سياسة ترامب بما يخص الشرق الأوسط، حيث أطلق سابقاً تصريحاً يعتبر أن التسوية ليست بالضرورة أن ترتكز على مبدأ "حل الدولتين". فهذا أعطى لنتنياهو حافزاً لكي يقول إن إسرائيل لم تلتزم بالسماح بمسار نحو دولة فلسطينية، كما نقلت عنه صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية.
لا يستطيع أحد التكهن بما ستكون عليها القضية الفلسطينية في عهد ترامب، لكنّ الخطر الذي يداهم القضية لا يكمن بالقرارات المجنونة التي قد يتّخذها هذا الرجل وحسب، بل برزت في حالة الانقسام شبه العمودي بين الفصائل الفلسطينية نفسها، إذ قتلت أجهزة أمن السلطة الفلسطينية، أحد قادة "كتيبة جنين" التابعة لسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، يزيد جعايصة، خلال اقتحامها للمخيم شمال الضفة الغربية.
وقال الناطق الرسمي لقوى الأمن الفلسطيني، العميد أنور رجب، بعد مقتل القيادي، أن الأجهزة الأمنية بدأت تنفيذ خطوات جديدة، في إطار جهودها المستمرة لحفظ الأمن والسلم الأهلي وبسط سيادة القانون، وقطع دابر الفتنة والفوضى في المخيم.
تصريح رجب اعتبرته الفصائل الفلسطينية تهديداً لوحدة الصف، ويدفع بالمزيد من الشرذمة والمواجهة العسكرية بين الفريقين، لهذا دعت حركة "حماس" في وقت سابق منظمة التحرير الفلسطينية للرجوع عن قرار اعتقال المقاومين، لأن هذا لا يصب في صالح القضية الأم، بل يساعد العدو في الغطرسة والاستفادة من الانقسام الحاصل لتحقيق مآربه والاستمرار في تنفيذ جرائمه في القطاع كما في الضفة.
يستفيد العدو من الانقسامات التي تحصل في الساحة العربية لتحقيق أهدافه، هو الذي يعتمد في الكثير من خططه بتوجيه ضربات مؤلمة إلى البيئات الحاضنة ليحدث انقلاباً على الفصائل التي يحاربها. فهو في هذا الأسلوب يضع من يقاتل في سبيل القضية أمام واقع الرفض الداخلي، حيث توجه إليه أصابع الاتهام بتدمير البلاد وقتل الناس بدل أن تكون موجهة إلى الإسرائيلي.
لهذا، لا يبدو أن حلولاً تلوح في الأفق بشأن حل دائم للقضية الفلسطينية، التي يعتمد العدو على طريقة استنزافها حتى القضاء عليها. فما هو متوقع أن تقوم حركة "حماس" بإبرام صفقة الرهائن قبل وصول ترامب لأنّ المقروء من تهديداته لا يتوقف على تنفيذ عمليات عسكرية في القطاع، ولا زيادة الدعم العسكري لإسرائيل، بل على ما يبدو لهذا الرجل خطط قد تطال ممارسة الضغط على الدول الداعمة لحركة "حماس" وللقضية بشكل عام.