أسرار مغارة الميلاد

منبر 21-12-2024 | 04:12

أسرار مغارة الميلاد

ولادة الرب يسوع في مزود متواضع وموته ودفنه في قبر عادي كسائر البشر، محطّتان متواضعتان سبقتا قيامته العظيمة من بين الأموات فلنتمثّل بإله الخير والسلام والمحبة...
أسرار مغارة الميلاد
الأمل في أن توقظ ذكرى الميلاد ضمائر من يملكون قرار الحرب والسلم (أ ف ب)
Smaller Bigger

د. يوسف أديب الرشكيدي*

ترد لفظة "مغارة" في الترانيم والتراتيل الميلادية: "اليوم العذراء تأتي إلى المغارة لتلد الكلمة"، وهي تشبه معاني وردت في الإنجيل المقدّس والكتب الدينية، مثل: الإسطبل والمزود والحظيرة والكهف. كما تُعبّر تلك اللفظة عن التواضع الذي رافق ولادة السيّد المسيح الإله الكلمة المتجسد. وهو من رفع بولادته المغارة إلى العلا، فجعلها تسع في رحابها المسيح الإله، خالق الأكوان.

من المغارة انطلق يسوع في مسيرته المقدّسة نحو الفداء. هو  المولود من العذراء مريم النقيّة الطاهرة، التي اصطفاها الربّ حين بشّرها الملاك جبرائيل بثمرة بطنها، الطفل الإلهيّ، فأخذت تنتظر وخطيبها يوسف البار بفرح عظيم  ولادة الابن الفادي كما ينتظر العروسان بفرح عظيم ميلاد طفلهما.

في مغارة الميلاد وُلد ربّ السلام، وعمّ الفرح المسكونة، وملأت المحبة قلوب البشر. عند ولادة السيد المسيح غدت مغارة بيت لحم موطئاً للملائكة المنشدين: "المجد لله في الأعالي، وعلى الأرض السلام، وفي الناس المسرة" (لوقا 2: 14). أمّا النجمة الساطع نورها، فأنارت الدرب، وسهّلت وصول المجوس وهم الشهود على أبهى صور التواضع في ولادة الإله المخلّص. حمل المجوس للمسيح الهدايا: الذهب رمز ملوكيّة ملك الملوك والبخور رمز الكهنوت والقداسة، والمرّ رمز إنسانيّة المسيح ومعاناته وموته من أجل خلاصنا. من مغارة الميلاد شعّ النور الحقيقيّ لينير الضالّين، ويهديهم إلى الدرب المستقيم بعيداً عن الشهوات الماديّة والميول والإغراءات الجسدية والضغائن والأطماع. هكذا قدّس النور الإلهيّ طبيعتنا وأنار حياتنا.

إنّ اقتراب الخامس والعشرين من كانون الأول (ديسمبر) من كلّ سنة، يُعيد إلى أذهاننا واقع الأطفال وحقوقهم لا سيّما من هم ضحايا ساحات الحرب المدمّرة حول العالم. يذكّرنا بجرائم السفّاح هيرودس وقراره بقتل أطفال بيت لحم جميعهم الذين هم دون السنتين بهدف القضاء على الطفل يسوع المنتظر، ممّا حمل النجّار يوسف البار إلى السفر مع الطفل يسوع وأمه مريم دون تردد إلى مصر ( متى ٢ : ١٣-٢٣) مُسجّلاً حدثاً تاريخيّاً. الأمر الذي سبق بقرون عدّة ولادة شرعة حقوق الطفل سنة 1989 التي تتضمّن حق الطفل في الحياة .

نرجو أن توقظ ذكرى الميلاد ضمائر من يملكون قرار الحرب والسلم، من أعميت أبصارهم، وخدّر القتال والإجرام عقولهم وأحاسيسهم، فنشروا الرعب بين الناس، ودمّروا الأرض من مشارقها إلى مغاربها، دون شفقة أو رحمة حتّى ساووا بين الانسان والحجر، ومزّقوا بمدافعهم أجساد الأطفال الأبرياء، حتّى اختلطت أشلاؤهم ببقايا ألعابهم المتناثرة هنا وهناك تحت الأنقاض.

 كم نحتاج في أيامنا هذه وأكثر من أي وقت مضى إلى نور المسيح رمز المحبة والسلام الذي به "نحيا ونتحرك ونوجد" (أع ١٧: ٢٨) ، وهو "الطريق والحقّ والحياة". يبقى ميلاد الرب يسوع "الحدث المطلق في المسيحية" (لوقا ٢: ٧). ويقول  القديس غريغوريوس النزينزي اللاهوتيّ  في"سر الميلاد"، إنّ الربّ بات إنساناً من عناصر متناقضة حيث أن الجسد والروح يتألّهان. هذه الحال غريبة، ونحن مدعوّون إلى القبول والإيمان بهذا السر العظيم: هو غير مخلوق إنّما غدا خليقة ليأخذ منّا آلام أجسادنا، وهكذا وُلد الإله إنساناً وصار الإنسان إلهاً "في المغارة".

إنّ ولادة الرب يسوع في مزود متواضع وموته ودفنه في قبر عادي كسائر البشر، محطّتان متواضعتان سبقتا قيامته العظيمة من بين الأموات فلنتمثّل بإله الخير والسلام والمحبّة ونحذو حذوه علّنا نعي أهميّة المحبّة والخلاص فنتقدّس ونرتقي.

*رئيس سابق لجمعيّة أطبّاء الأطفال في الشّمال



 
العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
النهار تتحقق 10/8/2025 9:20:00 AM
إعلان مفرح من محمد شاكر خلال الساعات الماضية. "صدر حكم ببراءة والدي، فضل شاكر"، وفقاً للمتناقل. فيديو تكشف "النّهار" حقيقته.  
سياسة 10/8/2025 1:16:00 AM
تمام بليق يوضح حقيقة ما جرى مع الشيخ حسن مرعب في صيدا