على عتبةِ 2026... استحقاقاتٌ لا تحتمل التأجيل وشجاعة لم تعد تحتملُ الانتظار

آراء 31-12-2025 | 10:26

على عتبةِ 2026... استحقاقاتٌ لا تحتمل التأجيل وشجاعة لم تعد تحتملُ الانتظار

على عتبةِ 2026... استحقاقاتٌ لا تحتمل التأجيل وشجاعة لم تعد تحتملُ الانتظار
أرشيفية (نبيل اسماعيل)
Smaller Bigger
فاروق غانم خداج
كاتب لبناني وباحث في الأدب والفكر الإنساني 

مع الساعاتِ الأخيرةِ من عامِ 2025، لا يدخلُ اللبنانيّون عامَهم الجديدَ بفرحٍ كاملٍ، ولا يودّعون عامًا مضى بدموعٍ صافيةٍ. نحن شعبٌ يقفُ دائمًا في المنطقةِ الرماديّةِ بين الرجاءِ والانكسار، بين عادةِ الصمودِ وإرهاقِ الانتظار. كأنّنا أتقنّا العيشَ على الحافّة: لا نسقطُ تمامًا، ولا نُشفى كليًّا.

لم يكن 2025 عامًا عابرًا يُطوى في الذاكرة. كان عامًا كثيفًا بالخساراتِ الصغيرةِ المتراكمة، تلك التي لا تُحدثُ ضجيجًا، لكنّها تنخرُ الروحَ ببطءٍ. خسارةُ الاستقرارِ، خسارةُ الثقةِ، خسارةُ القدرةِ على التخطيطِ للمستقبل. ومع ذلك، لم يكن عامًا بلا معنى، لأنّه أجبرَ اللبنانيّين على مواجهةِ السؤالِ الأصعب: إلى أين نحن ذاهبون؟

وعشيّةَ 2026، لا يمكنُ الاكتفاءُ بنبرةٍ وداعيّة. العامُ الجديدُ لا يأتي فارغَ اليدين، بل محمّلا باستحقاقاتٍ ثقيلةٍ وأزماتٍ مرشّحةٍ للتفاقمِ إن بقيت على حالها. أوّلها الأزمةُ الاقتصاديّةُ التي لم تعد أزمةَ أرقامٍ وتقارير، بل أزمةَ حياةٍ يوميّة. تضخّمٌ يلتهمُ المداخيلَ، وتآكلٌ مُنهِكٌ للقدرةِ الشرائيّة، وطبقةٌ وسطى تواصلُ انحدارَها نحو الهشاشة. ما ينتظرُنا ليس الانفجارَ المفاجئ، بل الاستنزافَ الطويل، وهو الأخطرُ لأنّه يُفرغُ المجتمعَ ببطءٍ من مناعتِه.

ثمّ تأتي الأزمةُ الاجتماعيّةُ، التي غالبًا ما تُهمَلُ في التحليلِ السياسيّ. في 2026، سيواجهُ لبنانُ مجتمعًا منهكًا نفسيًّا، تآكلت حواجزُ صبرِه، وأصبحت هشاشتُه ظاهرةً للعيان. مدارسُ تكافحُ للبقاء، جامعاتٌ تفرغُ من طلابِها، وشبابٌ يعيشون بين خيارين قاسيين: الهجرةِ أو التكيّفِ القسريّ مع واقعٍ لا يشبهُ أحلامَهم. هذه ليست مجرّد أزمةِ جيلٍ، بل أزمةَ معنىً وانتماء، حيثُ يتراجعُ الإحساسُ بالمستقبلِ لصالحِ يوميّاتِ البقاء.

أمّا سياسيًّا، فالمشهدُ لا يوحي بتحوّلٍ جذريّ. الجمودُ مرشّحٌ للاستمرار، والانقسامُ ما زال أقوى من منطقِ الدولة. الخطرُ في 2026 ليس في الصدامِ الكبير، بل في التطبيعِ مع التعطيل، وفي تحوّلِ الفراغِ إلى حالةٍ عاديّة. حين يعتادُ الناسُ غيابَ القرار، يصبحُ غيابُ الدولةِ أمرًا مألوفًا، وذلك أخطرُ من أيّ انهيارٍ مفاجئ.

ولا يمكنُ فصلُ ما ينتظرُنا عن الإقليم. لبنانُ، شاء أم أبى، يتأثّرُ برياحِ المنطقة. أيُّ تصعيدٍ، أيُّ تسويةٍ، أيُّ اهتزازٍ إقليميّ سينعكسُ مباشرةً على واقعِه الهشّ. في 2026، سيبقى البلدُ ساحةَ انتظارٍ أكثرَ منه ساحةَ فعل، ما لم يقرّرْ استعادةَ حدٍّ أدنى من سيادتِه على قرارِه الداخليّ، وعلى تعريفِ مصالحِه الوطنيّة بعيدًا عن منطقِ المحاور.

لكن وسطَ هذا المشهدِ القاتمِ نسبيًّا، ثمّة حقيقةٌ لا يجوزُ تجاهلُها: لبنانُ لم يسقطْ بعد، لأنّ الناسَ — لا الدولةَ — ما زالوا يقيمون فيه. لأنّ الأمّهاتِ ما زلن يُصرِرن على تعليمِ أولادِهنّ رغم القلقِ اليوميّ، لأنّ المعلّمَ ما زال يشرحُ وهو يعلمُ أنّ راتبَه لا يكفي كرامتَه، لأنّ الكاتبَ ما زال يكتبُ وهو يدركُ أنّ صوتَه قد لا يصل، لكنّه يكتبُ كي لا يختنق. هذه القوّةُ الصامتةُ هي ما يؤجّلُ السقوط، وهي في الوقتِ نفسِه ما يجعلُ الاستمرارَ في الفشلِ أكثرَ ظلمًا.

في 2026، سنواجهُ أيضًا أزمةَ ثقةٍ عميقة: ثقةَ المواطنِ بنفسِه، وبمحيطِه، وبفكرةِ الوطنِ ذاتِها. هذه الأزمةُ لا تُحلُّ بخطابٍ أو شعاراتٍ موسميّة، بل بسلوك. بسلسلةِ خطواتٍ صغيرةٍ لكنّها صادقة: محاسبةٍ فعليّة، شفافيّةٍ واضحة، واعترافٍ شجاعٍ بالأخطاء. من دون ذلك، سيبقى الأملُ كلمةً جميلةً تُستعملُ للاستهلاك، لا مشروعًا قابلا للحياة.

ليس المطلوبُ ونحن نودّعُ عامًا ونستقبلُ آخرَ أن نُجمّلَ الفشل، ولا أن نُعلنَ اليأس. المطلوبُ فقط أن نسمّي الأشياءَ بأسمائِها. لبنانُ متعبٌ، لكنّه ليس ميّتًا. مخذولٌ، لكنّه ليس بلا أهل. منهكٌ، لكنّه لا يزالُ قادرًا على النهوضِ إذا كُفَّت الأيدي الثقيلةُ عن عنقِه، وإذا توقّفَ العبثُ بما تبقّى من طاقتِه.

ما ينقصُنا ليس الذكاءَ ولا الثقافةَ ولا التاريخ. ما ينقصُنا هو العدالةُ، والصدقُ، وإرادةُ الاعترافِ بالأخطاء. ينقصُنا أن نكفَّ عن تحويلِ الوطنِ إلى مشروعٍ مؤجَّل، وعن معاملةِ الناسِ كأرقامٍ قابلةٍ للشطبِ أو أوراقٍ انتخابيّةٍ موسميّة.

عشيّةَ 2026، لا نطلبُ معجزات. نطلبُ فقط دولةً تشبهُ مواطنيها، لا تتعالى عليهم. نطلبُ قانونًا لا يُفصَّلُ على قياسِ النفوذ. نطلبُ وطنًا لا يضعُ أبناءَه أمام خيارٍ قاسٍ بين البقاءِ أذلّاء أو الرحيلِ مكسورين.

2025 يرحلُ، و2026 يطرقُ البابَ بأسئلتِه الثقيلة. من يجرؤُ على النظرِ في المرآة؟ من يملكُ شجاعةَ القول إنّ لبنانَ لا يحتاجُ خطاباتٍ جديدة، بل شجاعةً قديمة: شجاعةَ الإصلاح، شجاعةَ المحاسبة، وشجاعةَ إعادةِ بناءِ الثقة.

أمّا نحن — الناس — فسنفعلُ ما اعتدنا عليه. سنبقى. سنحبُّ هذا البلدَ رغم قسوتِه، وسنخاصمُه دون أن نهجرَه. سنستقبلُ 2026 بحذرٍ يشبهُ الحكمة، وبأملٍ خافتٍ لكنّه عنيد.
لأنّ الوطنَ، في النهاية، ليس فكرةً رومانسيّةً نتمتّعُ بها، بل مسؤوليّةً نتحمّلُها.
ومن يتهرّبُ من المسؤوليّة، يتخلّى عن حقِّ المطالبةِ بوطن.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 12/30/2025 9:09:00 AM
العميد أحمد الدالاتي قائد أمن ريف دمشق تابع بشكل مباشر قضية حمزة
المشرق-العربي 12/30/2025 5:55:00 PM
إطلاق نار كثيف قرب قصر الشعب والمزّة 86 في دمشق، مع أنباء غير مؤكدة عن عملية اغتيال.
المشرق-العربي 12/30/2025 8:12:00 PM
شقيق أبو عبيدة يكشف تفاصيل عن اشتباك خاضه الناطق السابق باسم القسام في شمال غزة
المشرق-العربي 12/30/2025 11:15:00 PM
المرصد السوري يرد على نفي الرئاسة السورية لاطلاق نار في محيط قصر الشعب