السودان بين فكّي العنف: جرائم موثقة وسلام مؤجَّل

مقالات 23-12-2025 | 01:15

السودان بين فكّي العنف: جرائم موثقة وسلام مؤجَّل

السلام ليس خياراً أخلاقياً فحسب، بل هو الطريق الوحيد لإنقاذ السودان من السقوط الكامل، ووضع حدٍّ لدوامة الدم التي حصدت الأبرياء لعقود طويلة.
السودان بين فكّي العنف: جرائم موثقة وسلام مؤجَّل
لا حل عسكرياً، ولا مستقبل للسودان دون السلام والمحاسبة. (أ ف ب)
Smaller Bigger

كشف تحقيق استقصائي، نشرته شبكة CNN، بالتعاون مع Lighthouse Reports، جانباً مظلماً من الحرب السودانية، عبر توثيق عمليات قتل واستهداف عرقيّ ممنهج طالت مجتمعات زراعية معزولة في ولاية الجزيرة، في وقت يعيش فيه السودان واحدة من أسوأ المجاعات في تاريخه الحديث. التحقيق لا يقدّم مجرد سرد إنساني مأسوي، بل يضع المجتمع الدولي أمام حقيقة صادمة: العنف لم يعد استثناءً، بل سياسة تُمارَس ضد المدنيين العُزّل.

ما ورد في التحقيق يعيد إلى الأذهان سجلًا طويلًا من الجرائم التي ارتكبها تنظيم "الإخوان المسلمين" – الكيزان خلال عقود حكمهم للسودان، حين استخدموا الجيش والأجهزة الأمنية كأدوات قمع ضد الشعب، خصوصاً في دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق. اليوم، تتبدّل الوجوه وتتشابه الأفعال؛ فالمدني السوداني ما زال هو الضحية، سواء سقط برصاص الميليشيات أو تحت ذريعة "التطهير" و"الاشتباه".

 

 

 يمكن تبرئة أي طرف من المسؤولية (أ ف ب)
يمكن تبرئة أي طرف من المسؤولية (أ ف ب)

 

 

 

 

 

الأخطر في هذا المشهد أن جرائم اليوم لا يمكن فصلها عن إرث الكيزان، الذين دمّروا بنية الدولة، وأشعلوا الصراعات، وشرعنوا العنف باسم الدين والسيادة. كثير من الممارسات التي وثقها التحقيق – من الاستهداف على أساس عرقي، وإخفاء الجثث، والإفلات من العقاب – ليست طارئة، بل امتداد لثقافة سياسية وأمنية رسّخها "الإخوان" لعقود.

في المقابل، لا يمكن تبرئة أي طرف من المسؤولية. كلا الطرفين في الصراع متورطان في جرائم بشعة ضد المدنيين العُزّل، ولا يملك أيٌّ منهما شرعية أخلاقية  للحديث باسم السودان أو مستقبله. إن استمرار القتال لا يخدم إلا أمراء الحرب، بينما يدفع الشعب الثمن دماً وجوعاً وتشريداً.

يزيد القلق مع غياب أي تجاوب واضح من طرف الجيش مع المبادرات الدولية الداعية إلى وقف الحرب، بما في ذلك الدعوات العلنية التي أطلقها الرئيس الأميركي دونالد ترامب لوقف نزيف الدم والانخراط في مسار سياسي. هذا التعنّت يعكس – في نظر كثيرين – رغبة في الحسم العسكري مهما كانت الكلفة الإنسانية، وهو مسار أثبت فشله تاريخياً في السودان.

إن الخلاصة التي يفرضها التحقيق واضحة: لا حل عسكرياً، ولا مستقبل للسودان من دون السلام والمحاسبة. المطلوب اليوم هو تنفيذ توصيات الرباعية الدولية، والضغط الجاد لوقف إطلاق النار، وفتح تحقيقات مستقلة، ومحاسبة كل من تورط في الجرائم، من دون استثناء أو انتقائية.

السلام ليس خياراً أخلاقياً فحسب، بل هو الطريق الوحيدة لإنقاذ السودان من السقوط الكامل، ووضع حدٍّ لدوامة الدم التي حصدت الأبرياء لعقود طويلة.

 

 

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 12/29/2025 6:20:00 PM
القادة هم: أبو عبيدة ومحمد السنوار ومحمد شبانة ورائد سعد وأبو عمر السوري.
اقتصاد وأعمال 12/29/2025 5:34:00 AM
"بات من مصلحة المكلفين التصريح عن مداخيلهم وتسديد الضرائب ضمن المهل القانونية، تفاديا لرفع السرية المصرفية عن حساباتهم"
لبنان 12/29/2025 12:37:00 PM
سمير جعجع دعا إلى عدم التصويت لمحور الممانعة أو "التيار الوطني الحر"
سياسة 12/29/2025 7:00:00 AM
صباح الخير من "النهار"...إليكم أبرز الأخبار والتحاليل لليوم الاثنين 28 كانون الأول / ديسمبر 2025