حرب بوتين وتأثيرها على المدنيين والبنى التحتية: ضغط شعبي وتهديدات بالتنازل الأوكراني
د. خالد العزي*
منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، أصبحت الساحة الميدانية مسرحاً لصراع لم يعد محصوراً في المواجهات العسكرية بين القوات الروسية والأوكرانية وحسب، بل امتد ليشمل الهجمات المتعمدة على المدنيين والبنى التحتية في مختلف أنحاء أوكرانيا. في هذه الحرب، أصبحت المدن الكبرى مثل كييف، خاركيف، وزابوريجيا وغيرها في قلب الهجمات العسكرية التي تسعى روسيا عبرها إلى تدمير البنية الأساسية للدولة الأوكرانية، ما يهدف إلى إضعاف مقاومة الشعب الأوكراني وضغطه نحو قبول تنازلات سياسية.
استراتيجية الهجمات على المدنيين
تعد الهجمات الروسية على المدنيين والبنى التحتية جزءاً أساسياً من الاستراتيجية العسكرية الروسية. الهجوم المستمر على المدن الأوكرانية أسفر عن مقتل الآلاف من المدنيين وتدمير أعداد كبيرة من المستشفيات والمدارس ومحطات الطاقة الكهربائية، ما يزيد من معاناة الشعب الأوكراني. تتبع روسيا أسلوباً عسكرياً يعتمد على ضرب الأهداف المدنية مثل المستشفيات والطرقات والجسور، وهو ما يعتبره المجتمع الدولي انتهاكاً صارخاً لقوانين الحرب. في ظل هذه الهجمات العشوائية، تتزايد معاناة الأوكرانيين الذين يعيشون تحت تهديد دائم للضربات الجوية والصاروخية.
تسعى روسيا إلى استخدام الحرب النفسية عبر هذه الهجمات، بحيث يصبح دافع المدنيين لمغادرة المدن أو الضغط على الحكومة الأوكرانية أكبر. تدمير البنية التحتية أيضاً يؤثر بشكل مباشر على قدرة أوكرانيا على مقاومة الحرب وإعادة بناء قواتها المسلحة أو توفير الخدمات الأساسية لمواطنيها. من جانب آخر، تسعى موسكو من خلال هذه الهجمات إلى خلق حالة من الضعف داخل المجتمع الأوكراني قد تساهم في تقويض الدعم الدولي لأوكرانيا.
الضغط الشعبي وتأثيره على المطالب الروسية
مع تصاعد حجم المعاناة داخل أوكرانيا، بدأ يظهر تأثير هذه الحرب على الرأي العام الروسي أيضاً. روسيا، التي كانت تتبع سياسة الحرب الكاسحة منذ البداية، تدرك أن استمرار الهجمات العسكرية على الأهداف المدنية من شأنه أن يؤدي إلى تفاقم العزلة الدولية ويفتح جبهات معارضة داخلية. ومع استمرار الصراع، بدأ الشعب الروسي يتساءل عن فائدة الحرب الطويلة وعن تكلفة استمرارها من حيث الأرواح والموارد الاقتصادية.
بوتين يسعى من خلال هذه الحرب إلى فرض نوع من الضغط على الغرب، وتهديداته المستمرة بنقل الصراع إلى أوروبا قد تهدف إلى إجبار الدول الغربية على تقديم تنازلات. في المقابل، الحكومة الروسية تعمل على إظهار نفسها كداعم لحركة مقاومة في أوكرانيا. ولكن من غير الواضح حتى الآن ما إذا كانت هذه السياسات ستؤدي إلى انهيار الدعم الشعبي داخل روسيا أو حتى في الجمهوريات السوفييتية السابقة التي لا تزال تعاني من تأثيرات الحرب.
في الداخل الأوكراني، الشعب، رغم المعاناة الكبيرة، لا يزال يقاوم الهجمات الروسية ويصمد في مواجهة الخطر. لكن من الممكن أن يظهر نوع من الضغط الشعبي على الحكومة الأوكرانية، خاصة إذا استمرت الحرب وتزايدت الأضرار الاقتصادية.

التنازل الأوكراني
بسبب تصعيد الهجمات على البنية التحتية والمناطق المدنية، قد تجد بعض الأصوات في أوكرانيا نفسها مضطرة للحديث عن ضرورة البحث عن تسوية سياسية أو حل ديبلوماسي مع روسيا. رغم ذلك، تظل القيادة الأوكرانية، تحت قيادة الرئيس فولوديمير زيلينسكي، مصممة على الحفاظ على السيادة الأوكرانية وعدم التنازل عن أي جزء من الأراضي المحتلة أو المجابهة.
تأخذ أوكرانيا موقفاً ثابتاً برفض أي تفاوض مع روسيا حول التنازلات الجغرافية أو السياسية. زيلينسكي يواصل التأكيد على أن الهجوم الروسي هو عدوان غير مبرر، وأن أوكرانيا لن تقبل بتقديم أي تنازل يمس سيادتها. مع استمرار الحرب، يصبح الأمر الأكثر وضوحاً أن الشعب الأوكراني ملتزم بتوسيع قدرات مقاومته والتمسك بتسليح الجيش وموارد الدفاع.
في الوقت نفسه، تحاول روسيا توسيع مطالبها على الأرض، مستخدمة الضغط العسكري لإجبار أوكرانيا على تقديم تنازلات استراتيجية. لكن من المتوقع أن يظل الشعب الأوكراني، رغم الخسائر الفادحة، على استعداد لمواصلة مقاومته من خلال مواجهة الهجمات الروسية.
التطورات المقبلة
في ظل تطور الصراع العسكري على الأرض، ومع تزايد الخسائر البشرية والمادية في أوكرانيا، تنتظر كييف وصول المزيد من المساعدات العسكرية الغربية، التي ستساعد الجيش الأوكراني على تحسين قدراته الدفاعية والانتقال إلى مرحلة أكثر حسماً. سيكون لهذه المساعدات دور رئيسي في توجيه الصراع نحو اتجاهات جديدة قد تشمل الهجمات المضادة وفرض ضغوط أكبر على الخطوط الروسية.
إضافة إلى ذلك، من المحتمل أن تظل العقوبات الغربية والمقاطعات الاقتصادية على روسيا جزءاً من الرد الدولي على تصعيد الصراع، وهو ما قد يدفع القيادة الروسية إلى إعادة التفكير في استراتيجياتها العسكرية في حال تصاعدت الضغوط الداخلية والخارجية.
بينما تستمر الحرب الروسية على أوكرانيا بشكل مستمر، يظل موقف أوكرانيا ثابتاً في التصدي للعدوان وعدم التنازل عن أراضيها. لكن مع استمرار الهجمات على المدنيين والبنى التحتية، وازدياد الضغط على روسيا من الداخل والخارج، فإن هذا الصراع قد يتحول إلى نقطة محورية في تحديد التوجهات المستقبلية في المنطقة. ستظل أوكرانيا في حاجة إلى الدعم الغربي العسكري والديبلوماسي لضمان استقرارها في وجه هذا العدوان، في حين أن روسيا، رغم مكاسبها الميدانية الجزئية، ستواجه مزيداً من التحديات السياسية والاقتصادية على المدى البعيد.
-المقاربة الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
نبض