زيارة البابا لاوون الرابع عشر لدير الصليب تتجاوز المكان
الرئيس الإقليمي للرّهبنة الكبّوشيّة في الشرق الأدنى
دكتور في علم النّفس في جامعة الرّوح القدس- الكسليك
لم تكن زيارة قداسة البابا لاوون الرابع عشر لدير الصليب مرورًا عابرًا في مكان، بل كان عبورًا عميقًا في رسالة.
جاء لا ليرى حجارةً أو جدرانًا، بل ليُصغي إلى نبض رسالةٍ متجذّرة في تاريخ المحبّة.
جاء ليقول إنّ الإيمان ليس جغرافيا، بل لقاء، وإنّ القداسة ليست مقامات، بل قلوبٌ تعيش الحقّ والعدل والرحمة.
في تلك اللحظة، بدا الدير فضاءً يتّسع فيه الزمن، حيث يهبط السلام، وتتعانق السماء بالأرض.
وكان اللقاء لقاءين في آنٍ واحد: لقاء نائب المسيح مع المسيح المجروح في وجوه الناس المتألّمة، ولقاء الناس في آلامهم وآمالهم، في جراحهم التي تنتظر لمسة رجاء.
هذه الزيارة لم تمنح فقط الأمل، بل منحت المعنى- المعنى الحقيقي للإنسانية التي نشعر أحيانًا بأنّنا نفقدها وسط ضجيج العالم. منحت البشر مرآةً يرون فيها ذواتهم، وذكّرتنا بأنّ الإنسان هو تعبيرُ محبّةِ الله.
المحبّة… تلك التي لا تُقاس بالكلمات، بل بالأفعال؛ لا تُقاس بالمسافات، بل بالنيّات؛ لا تُقاس بالمظاهر، بل بالحقيقة التي تتوهّج في داخل كل واحدٍ منّا.
لذلك كانت الزيارة كبيرةً بحجم الرسالة التي حملتها: رسالة تقول إنّ الرجاء ما زال ممكنًا، وأنّ العالم ما زال قادرًا أن ينهض حين تتقدّم إليه يدٌ تحمل السلام، وصوتٌ ينطق بالحقّ، وقلبٌ يحتضن الجميع بلا استثناء.
لقد زار قداسة البابا الطوباوي أبونا يعقوب الكبّوشي، ذاك الذي تربّى على الروحانية الفرنسيسيّة، وتعلّم في رهبنته الكبّوشية محبّة الفقير والمريض والمتروك، وتعلّم حبّ الصليب.
نعم، لقد زار قداسة البابا أبونا يعقوب الكبّوشي الحاضر في رهبانه الكبّوشيين، وفي راهباته راهبات الصليب، وفي الطاقم الطبي والعمّال والموظفين، وفي المرضى وذويهم، وفي كلّ من يدخل إلى هذا الدير.
في زيارته لدير الصليب، جاء البابا ليقول لنا إنّ الذي صُلب على الصليب صار قريبًا منّا، حاضرًا في وسطنا، وإنّه هناك. فإذا أردتم لقاءه، فلا تتردّدوا أن تذهبوا إلى دير الصليب وتُردّدوا مع أبونا يعقوب": يا صليبَ الربّ، يا حبيبَ القلب".
نبض