د. خالد العزي*

في تحول ديبلوماسي غير مسبوق، قام الرئيس السوري أحمد الشرع بزيارة رسمية إلى العاصمة الأميركية واشنطن في 11 تشرين الثاني/ نوفمبر 2025. خلال الزيارة، اجتمع بالرئيس الأميركي دونالد ترامب في لقاء مغلق، حيث تم توقيع اتفاقات مهمة بين البلدين.

على رغم أهمية هذه الزيارة التاريخية، فإن رد فعل موسكو كان هادئاً، بحيث أكدت أنها ستواصل بناء علاقاتها مع دمشق بشكل مستقل عن التطورات في العلاقات السورية- الأميركية.

وزير الخارجية الأميركية ماركو روبيو (أ ف ب)

الموقف الروسي: علاقات مستقلة رغم التقارب الأميركي- السوري

أوضح السكرتير الصحافي للكرملين دميتري بيسكوف، أن موسكو تسعى الى تعميق علاقاتها مع سوريا، بغض النظر عن اتصالات دمشق بواشنطن. وأشار  إلى أن العلاقات بين روسيا وسوريا تسير في مسار مستقل، مؤكداً أن زيارة الشرع إلى موسكو في تشرين الأول/ أكتوبر 2025 كانت ناجحة، إذ التقى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في محادثات مطولة تناولت قضايا استراتيجية، بما في ذلك التعاون العسكري والاقتصادي.

الاتفاق السوري-الأميركي: تخفيف العقوبات والانضمام إلى التحالف الدولي

خلال الزيارة إلى واشنطن، تم الإعلان عن تخفيف العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا لمدة 180 يوماً إضافية، في خطوة تدل على مرونة واشنطن حيال النظام السوري. كما تم توقيع مذكرة تعاون تسمح لسوريا بالانضمام إلى التحالف الدولي ضد تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش)، بقيادة الولايات المتحدة. ورغم أن الاتفاقية كانت رمزية إلى حد كبير، فإنها تمثل تحوّلاً ملحوظاً في السياسة الأميركية نحو سوريا بعد سنوات من العزلة.

السلام مع إسرائيل: التحديات والتوجهات المستقبلية

من أبرز القضايا التي تمت مناقشتها خلال المحادثات بين ترامب والشرع كانت مسألة السلام مع إسرائيل. ترى واشنطن أن التطبيع بين سوريا وإسرائيل خطوة ضرورية نحو تحقيق الاستقرار في المنطقة، ويُعتبر جزءاً من "اتفاقيات إبراهيم" التي تشمل دولاً عربية أخرى. وفي هذا السياق، أكد وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو أن الحكومة السورية مطالبة باتخاذ "إجراءات ملموسة" لتحسين العلاقات مع الغرب، بما في ذلك التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل. لكن في ظل القضايا الحدودية الشائكة والنزاعات المستمرة حول مرتفعات الجولان، يبدو أن التوصل إلى اتفاق مع إسرائيل لا يزال بعيداً.

الضغوط الأميركية والفرص المستقبلية

بالإضافة إلى التعاون في محاربة الإرهاب، ناقش الطرفان إمكان حدوث إصلاحات داخلية في سوريا. فقد شددت الإدارة الأميركية على ضرورة أن تلتزم دمشق تنفيذ إصلاحات ديبلوماسية وسياسية لتسوية الأزمات الإقليمية وتحقيق السلام. لكن العديد من المراقبين يرون أن هذه الضغوط قد تخلق تحديات كبيرة للنظام السوري، خصوصاً في ما يتعلق بالعلاقة المعقدة مع إسرائيل وأزمات الداخل.

التحديات السياسية الداخلية: الشرع وأزمة القيادة

زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن أثارت تساؤلات بشأن مستقبل القيادة السورية في ظل التحولات السياسية الداخلية. فرغم التغيرات الكبيرة، لا يزال الشرع شخصية محورية في المشهد السوري، حيث يأمل في تحقيق تحولات سياسية كبيرة، خصوصاً في سياق المصالحة الداخلية والتوجه نحو الإصلاح. ولكن التحديات السياسية والاقتصادية التي تواجه سوريا قد تضعه في موقف صعب، خصوصاً مع معارضة محتملة من الحلفاء السابقين للنظام.

التحديات السورية: الموازنة بين الشرق والغرب

تواجه روسيا تحدياً في التكيف مع التقارب السوري مع الولايات المتحدة، حيث يُحتمل أن تكون خطوة سوريا نحو تعزيز علاقتها بالغرب مصدر قلق بالنسبة الى موسكو. وفي هذا السياق، يرى مراقبون أن روسيا قد تواجه صعوبة في الحفاظ على هيمنتها على السياسة السورية إذا ما استمرت سوريا في السعي الى تطوير علاقات أكثر مع الولايات المتحدة. ويُعتبر هذا التوازن بين الشرق والغرب تحدياً كبيراً بالنسبة للقيادة السورية.

في ظل هذه التحولات، تظل العلاقات الروسية- السورية محورية في إعادة تشكيل الصراع السوري. فبينما تسعى موسكو إلى الحفاظ على دورها كحليف استراتيجي، يعمل أحمد الشرع على توسيع خيارات سوريا السياسية على الساحة الدولية. ومع أن زيارة الشرع إلى واشنطن تمثل خطوة في مسار التقارب مع الغرب، فإن التوازن بين الضغوط الغربية وطموحات روسيا في المنطقة سيظل يشكل تحدياً كبيراً لسوريا، مما يجعل المستقبل السياسي للبلاد غير مؤكّد في ظل هذه الديناميكيات المعقدة.

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.