لبنان… دولة واحدة وشعب واحد في زمن الخيارات المفصلية
المحامية ميرنا الحلبي
لم تكن العلاقة بين المسلمين والمسيحيين في لبنان يوماً خالية من التباينات، لكنها ظلّت تحمل ذلك الشعور العميق بأنّ الشريك في الوطن أساس لا يمكن التفريط به، وأنّ العيش المشترك ليس خياراً عابراً بل جوهر الهوية اللبنانية منذ فجر الاستقلال. وقد أثبت التاريخ أنّ لبنان لا ينهض إلا عندما يتوحّد أبناؤه حول الدولة الشرعية، ويحمون تعدديتهم بعيداً عن العصبيات ومنطق القوة.
وفي الوقت الذي تمضي فيه الدول العربية نحو آفاق جديدة من التنمية والانفتاح، تقدّم السعودية نموذجاً رائداً في الإصلاح الاقتصادي والبناء المؤسساتي. وتأتي زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأميركية لتؤكد هذه الرؤية الاستراتيجية القائمة على الشراكات الدولية، وجذب الاستثمارات، وتطوير الاقتصاد المعرفي. وهو مسار يقوم على منطق السلام لا الحروب، وعلى السعي الدائم لصناعة مستقبل مستقر ومزدهر، لا مستقبل قائم على الصراعات واستنزاف الطاقات. إنّ هذا التحوّل الإقليمي الكبير يجب أن يشكّل بالنسبة للبنان فرصة لا تهديداً، ودافعاً للانخراط في مشروع الاستقرار بدل الدوران في دوامة الأزمات.
لقد أنهكت الأزماتُ السياسية والاقتصادية البلاد على مدى عقود، فيما توسّع الفساد وتراجعت مؤسسات الدولة لصالح دويلة تنافسها وتضعف من هيبتها. واليوم لم يعد كافياً الاكتفاء بالخطابات، فمرحلة الإنقاذ تتطلّب إرادة لا كلاماً، وقراراً واضحاً يعيد للدولة سلطتها الكاملة، وينهي الهيمنة التي أعاقت التنمية والاستقرار، ويفتح الباب أمام قيام مؤسسات قوية قادرة على حماية مصالح اللبنانيين.
وفي صميم هذا المشروع الوطني يبقى الجيش اللبناني رمز الصمود والاستقرار، المؤسسة الوحيدة التي نجحت في الحفاظ على الحدّ الأدنى من الأمن، وقدّمت تضحيات جسيمة دفاعاً عن الوطن. وهو العنصر الجامع الذي يلتقي حوله اللبنانيون، ويرون فيه نموذجاً للدولة التي يريدونها: عادلة، موحّدة، وقوية.
إنّ الاستقلال الحقيقي لا يتحقق بالشعارات بل بقدرة الدولة على فرض القانون على الجميع، وبناء اقتصاد صلب، واستعادة الثقة بين المواطن ومؤسساته. وبهذا فحسب تُصان دماء الشهداء، فلا تذهب سدى، بل تصبح جزءاً من مشروع استعادة لبنان ودوره ومكانته.
وقد لا تكون الطريق سهلة، لكن النهوض يبدأ دائماً بخطوة ثابتة: قرارٌ وطني جامع بأنّ لبنان يجب أن يكون حاضراً في زمن السلام والتقدّم العربي، مشاركاً فيه لا غائباً عنه..
نبض