تخاذل المجتمع ولا رجال دولة... من عنده إرادة الحلّ؟

آراء 12-11-2025 | 11:55

تخاذل المجتمع ولا رجال دولة... من عنده إرادة الحلّ؟

التقاتل اليومي والغارات المفجعة هل هي الطريق إلى الحلول؟ هل القرار هو التضحية بركائز البلد نصرةً لاسترجاع الأرض المغتصبة دون وجود سياسة دفاعية محدّدة
تخاذل المجتمع ولا رجال دولة... من عنده إرادة الحلّ؟
صورة أرشيفية لوسط مدينة بيروت.
Smaller Bigger

الدكتور عادل عقل 

 تكثر مجالات التسميات للوضع في لبنان، تتدحرج كل المؤسسات إلى الهاوية، يتشرذم المجتمع اللبناني، تتصادم كل القناعات وليس هناك من يرى الوضع بطريقة فكرية متعقلنة. الجميع في تشتت وانحراف، حتى الحالة العقلية عند الأفراد أصبحت في ضياع دون أيّ مقاييس أو توازن ممكن في القدرة على التحمّل.

 

 هل هي الروح القبلية الطاغية رغم القشور العلمية والثقافية التي كان اللبناني يتغنّى بها ويخفي جهله العميق وعدم قدرة أيّ مسؤول على الترفع إلى مفهوم رجل الدولة وما يتبعه من مسؤولية وطنية.

 

 إن المسؤول حاضراً يتلطى بالمظاهر البرّاقة ويبقى على النفس الميليشيوي. أصبح العديد من الأجيال اللبنانية وأي من الأجيال غرقى في تفكك الأوهام والسعي المنحرف بعيداً عن مقاييس الدولة المتكاملة وصاحبة البنيان والقرار للوصول إلى حلول. إننا في منطقة غارقة في لعنة الوجود والجهل الأعمى، تغذيها الانقسامات وتراكم الصدمات من دولة إسرائيل بما لها من قدرة فتاكة وما لها من مساندات ومساعدات خاصة من أميركا والعديد من الدول. نحن في تقاتل مافيوي لما نعيش من اغتيالات شخصية وتدمير ممنهج للبشر والحجر. أما فلسطين فهي في ضياع بين مسؤوليها وخاصة في تشرذم الدول المتعاطفة مع الشعب الفلسطيني. التقاتل اليومي والغارات المفجعة هل هي الطريق إلى الحلول؟ هل القرار هو التضحية بركائز البلد نصرةً لاسترجاع الأرض المغتصبة دون وجود سياسة دفاعية محددة؟ أم هي انحراف للأهداف والغرق في الأحجية والعقد والتبريرات لأهداف مغايرة، ولسياسات ومصالح جماعات تستهوي الصراعات تطبيقياً لمفاهيم إقليمية أو دولية أو لقناعات جهادية وإيمانية.

 

أين رجال الدولة يخطون الطريق الوطني بعيداً عن الألاعيب "والكشاتبين"؟ يظهرون على الشاشات بكلام حق يُراد به باطل. إن صراعاتنا تنطلق من مبدأ أن البندقية تزرع والسياسة تحصد. فالمقاومة حق ولكن بعيداً عن الانتحار. فالحزب أصبح ضد الدولة أكثر منه ضد إسرائيل. الكل في ضياع. فالغريزة عند الإنسان تتأجج وتنحو للمصارعة أو التقاتل. أما في لبنان خاصةً فمسؤولوه لا يملكون القدرة والوعي لحماية الوطن الصغير من تلاطم المصالح والرغبات وخاصة صراع القناعات والعقائد المتنافرة. تخاذلت الطبقة المسؤولة لعدم القدرة الفكرية على ما يجب أن يكون في "رجل الدولة" بل تدنّت إلى المفهوم الميليشيوي والرغبات القاتلة. المجتمع اللبناني تتجاذبه مفاهيم ومعتقدات متضاربة وذلك كله من نسج الخيال لكل فصيل أو جماعة بما تجمّع عنده من مخزون فكري وعاطفي. ومن هذه المفاهيم يمكن التوغل إما في الجمود والتحجّر الفكري ومنها التقاتل والتصارع وإما الارتقاء إلى فسحات التلاقي والتآزر ومنها بناء المجتمع. هذا المجتمع كانت تنمو فيه حرية العقيدة والعبادة، حرية الرأي والتعبير، حرية البحث العلمي وحرية الإبداع الفني والحضارة المتطورة. فالصراع لا يكون عادةً بين نظرية علمية ونظرية دينية بل وجب أن يكون بين نظرية علمية وأخرى علمية ما يساعد على تطور المجتمع وارتقاء الإنسان من ضلاله إلى فسحات التنوّر والتلاقي. من الطبيعي أن يكون هذا خيار الإنسان حتى لا ينجذب إلى المتخيّل بعيداً عن العلم. 

 

وفي عودة إلى المفهوم النفسي أي ما بين "الأنا" و"الهو" و"الأنا العليا"، فالأنا العليا هي القطب المثالي والخلقي والقوانين والسلطة. أما الأنا فهي القطب الذي يسعى إلى الاستقرار والتوازن والسعي الآمن إلى الحياة (رغبة الحياة). أما الهو فهو الجانب الغريزي المتْعوي (من المتعة). هذه الصراعات تنطلق من اللاشعور وكل الحالات المكبوتة القابلة للانفجار، والصراعات القاتلة، والسيطرة والتدمير.

 

أين التحرك العام المسؤول؟ فعلى المسؤولين - ولكن أيّ مسؤولين؟ - أن يجوبوا الأرض أصقاعاً وأمصاراً لطلب النجدة وحثّ باقي الدول الفاعلة وأصدقاء لبنان للذود والمساندة. وطبعاً لجم جموح إسرائيل وعنجهيتها واستكبارها. فهل من مجيب! هذا الحراك يُسأل عنه جميع الأفرقاء الظاهرين والمتلطين، من هم في السلطة أو ما يُشبه السلطة ومن هم المتخفون وأصحاب النيّات الحسنة أو من يدّعون المعارضة. نحن في وضع ينكفئ فيه الأخيار ويتمادى فيه الأشرار. فكيف لمجلس النواب أن يبقى شبه معطل بل وجب عليه أن يكون صوت الشعب، وألم الشعب ومعاناة الشعب، والمحرّك لكل ما أمكن من أفعال ومقررات لبناء هيكلية الدولة. هذا ما يجب حتى نتحرر من غرائزنا ومن الشياطين الكامنة في أعماقنا ومن نوازعنا الحيوانية. فالحاكم عندنا يدّعي امتلاك الحقيقة بل يعتقد أنه هو الحقيقة وهذا نتيجة نرجسية وسيادة الطابع المتفرعن والمنحرف عند أكثر المتسلطين. الجميع يتلطى بالكتمان وتغليب الخبث وعدم الإخلاص والرياء والنفاق. هم يتقنون سياسة الصراع في جلسات الرذيلة عند التلاقي في المجلس دون الاهتمام بما يحتاج إليه المجتمع. في مجتمعاتنا كيف لا توجد إمكانية التضامن للدفاع عن المصالح العامة؟ الناس ينزلون إلى الشارع للهتاف والتصفيق إرضاءً للمرجع السياسي ويعودون مغمورين ظاهرياً ومقهورين فعلياً إمّا لصدّها وقمعها وإما لعدم المبالاة من المسؤولين. فما العمل والفساد في تعمّق والإنسان إلى انحطاط مدوٍّ والدمار إلى توسّع.

 

إنها الفرصة المؤاتية للمّ الشمل.
إنها الفرصة لتلاقي النيّات الحسنة.
إنها الفرصة لتدعيم الجامعة اللبنانية وحماية الأجيال الطالعة.
إنها الفرصة لتنشيط الدورة الأقتصادية وانتظامها.
 إنها الفرصة لمدّ اليد إلى لبنان الاغترابي وعقول الشباب المهجّر.
 إنها الفرصة للعودة إلى رعاية الدولة وجميع مؤسساتها.
 إنها الفرصة لمساندة الجيش والاحتماء به دون غيره.

 

هذا ما يفرض الابتعاد عن مفاهيم التقاتل والتحكم الشمولي. هذا ما يفرض الابتعاد عن تحكم القناعات القاتلة المغموسة بالماورائيات والضلال للإنسان. فليس بالأسلحة تُحلّ العقَد والأحجيات بل بالتلاقي والتحاور وتغليب المقوّمات العقلية والديبلوماسية لإتمام المبتغى وإحقاق الحق.

 

فمن يعي ومن يرعوي؟ ومن يأخذ القرار الوطني؟ 
(فإن الله يُضِلّ من يشاء ويهدي من يشاء).

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

العالم العربي 11/7/2025 6:00:00 AM
همّ واشنطن الأساسي لا ينصب على مكافحة الفساد الذي تتهم به الأطراف الانتخابية بقدر ما يعنيها الضغط على السلطة لتفكيك الميليشيات الموالية لإيران.
اسرائيليات 11/11/2025 1:30:00 PM
يبحث الجيش الإسرائيلي عن بديل لتولي ملف الإعلام باللغة العربية...
الولايات المتحدة 11/11/2025 9:25:00 AM
وفقاً لتقرير للشرطة، عثرت والدة جوناثان ويليت على جثته مقطوعة الرأس.
لبنان 11/10/2025 11:53:00 PM
التحقيق جارٍ حالياً لاستكمال الإجراءات القانونية بناءً على إشارة النيابة العامة الاستئنافية في بيروت.