رسالة من خارج الشرق الأوسط... كازاخستان والاتفاقيات الإبراهيمية

آراء 11-11-2025 | 04:19

رسالة من خارج الشرق الأوسط... كازاخستان والاتفاقيات الإبراهيمية

الدول التي وقّعت على الاتفاقيات الإبراهيمية فعلت ذلك في سياقات شرق أوسطية بحتة، بينما تأتي خطوة كازاخستان من خارج الإقليم، محملة بثقل هويتها كدولة ذات غالبية مسلمة، وكممر جغرافي حيوي بين الشرق والغرب، وكمركز يملك علاقات حساسة مع روسيا والصين والغرب في آن واحد.
رسالة من خارج الشرق الأوسط... كازاخستان والاتفاقيات الإبراهيمية
رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف (أ ف ب)
Smaller Bigger

لم يكن الإعلان عن اقتراب انضمام كازاخستان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية حدثاً عابراً في الفضاء السياسي الإقليمي، ولا يمكن قراءته بوصفه مجرد إضافة رقمية إلى قائمة الدول التي اختارت الانخراط في مسار التطبيع العربي–الإسرائيلي.

 فالدولة الواقعة في قلب آسيا الوسطى تمتلك خصوصية معقدة تجعل من قرارها هذا خطوة تتجاوز إطار العلاقات الثنائية لتلامس خرائط أوسع ترتبط بموازين القوى في آسيا والشرق الأوسط، وبصراع النفوذ بين القوى الكبرى التي تتنافس على موقعها الجيوسياسي.

من المهم التذكير بأن كازاخستان ليست جديدة على العلاقة مع إسرائيل، فالتطبيع بينهما قائم منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتحوّل خلال السنوات الماضية إلى شبكة مصالح تمتد من الأمن إلى التكنولوجيا مروراً بالزراعة والطاقة.

 

 

لذلك، فإن انضمامها المحتمل للاتفاقيات الإبراهيمية لا يجدد علاقة قديمة بقدر ما يضعها ضمن إطار سياسي أوسع، له رمزيته وله رسائله المباشرة وغير المباشرة إلى الأطراف كافة.

فالدول التي وقّعت على الاتفاقيات الإبراهيمية فعلت ذلك في سياقات شرق أوسطية بحتة، بينما تأتي خطوة كازاخستان من خارج الإقليم، محملة بثقل هويتها كدولة ذات غالبية مسلمة، وكممر جغرافي حيوي بين الشرق والغرب، وكمركز يملك علاقات حساسة مع روسيا والصين والغرب في آن واحد.

من زاوية موسكو، تبدو الخطوة بحاجة إلى مراقبة دقيقة. فروسيا التي تنظر إلى كازاخستان كجزء من مجالها الحيوي، تجد نفسها أمام شريك تقليدي يعلن رغبة في الاقتراب من مبادرة ترعاها واشنطن بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في لحظة تتصاعد فيها المواجهة الروسية–الغربية في ملفات متعددة.


غير أن العلاقات الروسية–الكازاخية معقدة بما يكفي لمنع أي قراءة تبسيطية، فكازاخستان سبق أن أظهرت استقلالية نسبية في سياساتها الخارجية رغم اعتمادها الأمني والاقتصادي على روسيا. والانضمام إلى الاتفاقيات الإبراهيمية قد يُقرأ محاولة لتوسيع هوامش الحركة وليس خرقاً مباشراً لخطوط موسكو الحمراء.

أما الصين، التي ترى في كازاخستان محطة محورية ضمن مبادرة الحزام والطريق، فمن غير المرجح أن تعارض الخطوة علناً، لكنها بلا شك تراقب تأثيراتها على توازن القوة الناعم الذي تبنيه في آسيا الوسطى.

فبكين تسعى إلى تحجيم النفوذ الأميركي، وكل انفتاح سياسي جديد على واشنطن قد يثير قلقها، لكنها من جهة أخرى تحرص على عدم خسارة شريك اقتصادي كبير مثل إسرائيل وعلى إبقاء أبوابها مفتوحة مع جميع الأطراف.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن تبنّي كازاخستان لمسار الاتفاقيات الإبراهيمية يعد مكسباً سياسياً واضحاً. واشنطن تعمل منذ سنوات على تعزيز شبكات الشراكة مع دول آسيا الوسطى في محاولة لاحتواء النفوذ الروسي والصيني المتزايد، ونجاحها في إدخال كازاخستان إلى هذا الإطار يمنحها أداة جديدة لتكريس حضورها في منطقة تعدّ من أكثر المناطق حساسية في العالم.

كما أن انضمام دولة ذات غالبية مسلمة إلى هذه الاتفاقيات يعزز الرواية الأميركية بأن المسار ليس مجرد تفاهم سياسي بل تحول استراتيجي أوسع في العلاقات بين إسرائيل والعالم الإسلامي.

أما في الشرق الأوسط، فالتوقيت يضيف طبقة إضافية من الدلالات. ففي ظل التوترات المتصاعدة في غزة والضفة الغربية، وفي ظل حالة الاستقطاب الشديدة بين محورين إقليميين متصارعين، يصبح إعلان كهذا بمثابة رسالة بأن بعض الدول ترى في استمرار الانخراط الديبلوماسي مع إسرائيل خياراً لا يتوقف عند الظروف الراهنة. كما أن دخول لاعب من خارج الإقليم إلى المشهد يعيد فتح النقاش حول مستقبل الاتفاقيات الإبراهيمية، هل ستتوسع فعلاً لتصبح إطاراً أوسع من الجغرافيا العربية؟ أم سيبقى التوسع مرتبطاً بالتحالفات مع الولايات المتحدة أكثر من ارتباطه بمصالح إقليمية داخلية؟

كازاخستان نفسها تدرك أنها تمشي على حبل دقيق. فالبلد الذي يسعى إلى تثبيت صورته كدولة متعددة الاتجاهات، يريد أن يثبت للعالم أنه قادر على صياغة سياساته بعيداً عن الضغوط المباشرة من جيرانه الأقوياء. وفي الوقت نفسه، فإن الانفتاح على إسرائيل ضمن إطار متعدد الأطراف يمنحه فرصة لتعزيز موقعه كدولة منفتحة على الوساطات والدبلوماسية المتقدمة، وهو دور تحاول أستانا تكريسه منذ سنوات عبر استضافتها مباحثات إقليمية ودولية معقدة.

في المحصلة، فإن اقتراب انضمام كازاخستان إلى الاتفاقيات الإبراهيمية ليس خطوة رمزية، بل حدث يحمل أبعاداً تتجاوز العلاقة الثنائية مع إسرائيل، ليشكّل اختباراً جديداً لمعادلات النفوذ في آسيا الوسطى، ولشكل التوازنات السياسية في الشرق الأوسط الكبير، ولقوة المبادرة الأميركية نفسها.

وقد يكون هذا التطور بداية لمرحلة جديدة يُعاد فيها تعريف حدود الإقليم، ومعنى الاصطفاف، ودور الدول متوسطة الحجم في عالم يميل نحو مزيد من السيولة السياسية.

 

*باحث ومستشار سياسي 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية

الأكثر قراءة

سياسة 11/10/2025 5:33:00 AM
قائد الجيش قدّم تقريراً مفصلاً عن سير العمل في خطة حصر السلاح، موضحاً أن المرحلة الأولى التي تشمل الجنوب تسير وفق ما هو مخطط لها
سياسة 11/9/2025 4:03:00 PM
مورغان أورتاغوس تحتفل بعيد ميلاد ابنتها "أدينا آن"
سياسة 11/10/2025 1:06:00 PM
"رويترز" نقلاً عن مسؤولين لبنانيين وإسرائيليين: خطة الجيش لا تشمل تفتيش الممتلكات الخاصة وإسرائيل طالبت بتنفيذ مداهمات للمنازل خلال اجتماعات آلية "الميكانيزم"  في أكتوبر الماضي