دمشق واليد الأميركية الجديدة

آراء 08-11-2025 | 06:11

دمشق واليد الأميركية الجديدة

الخبر المتعلق بإقامة قاعدة عسكرية أميركية قرب دمشق، إن صحّ، يكشف عن رغبة واضحة لدى واشنطن في الانتقال من سياسة الحضور الهامشي إلى تثبيت موقع مباشر في مركز القرار السوري.
دمشق واليد الأميركية الجديدة
إلى أي حد ستقبل القوى المتنافسة بالتغيير في المشهد السوري (أ ف ب)
Smaller Bigger

تشير التطورات المتسارعة في الملف السوري، من التسريبات حول نية الولايات المتحدة إنشاء وجود عسكري في قاعدة جوية قرب العاصمة دمشق، إلى الزيارة المرتقبة للرئيس السوري أحمد الشرع إلى واشنطن، إلى أن المشهد الإقليمي مقبل على مرحلة مختلفة عمّا اعتاده خلال العقد الماضي.

 فهذه الخطوات لا تبدو عابرة، بل تمثل تحولاً سياسياً يعيد سوريا إلى قلب الحسابات الدولية بعد سنوات من العزلة وتعدد ساحات النفوذ.

فالخبر المتعلق بإقامة قاعدة عسكرية أميركية قرب دمشق، إن صحّ، يكشف عن رغبة واضحة لدى واشنطن في الانتقال من سياسة الحضور الهامشي إلى تثبيت موقع مباشر في مركز القرار السوري.

 لسنوات، اكتفت الولايات المتحدة بنقاط انتشار في الشمال الشرقي والبادية، تُدار معظمها من خلف خطوط التماس. أمّا اليوم، فيبدو أن واشنطن تسعى إلى التموضع داخل المثلث الحساس الذي تتقاطع عنده مصالح القوى الإقليمية والدولية المتنافسة، بما يمنحها هامش تأثير أكبر في الملفات التي ستُرسم على أساسها هوية الدولة السورية المقبلة، سواء في الأمن أو إعادة الإعمار أو مستقبل الوجود الخارجي.

 

فرصة للخروج من العزلة الديبلوماسية (أ ف ب)
فرصة للخروج من العزلة الديبلوماسية (أ ف ب)

 

ولا يمكن فصل هذا التطور عن الزيارة المرتقبة للرئيس السوري إلى البيت الأبيض، وهي خطوة غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين البلدين. فاللقاء ذاته، بما يحمله من رمزية سياسية، يشير إلى إدراك متبادل لدى دمشق وواشنطن بأن استمرار القطيعة لم يعد واقعياً في ظل التحولات المتسارعة في المنطقة. 

بالنسبة لدمشق، تمثل هذه القناة المباشرة فرصة للخروج من العزلة الديبلوماسية ومنح ملف إعادة الإعمار غطاءً دولياً أوسع، فضلاً عن إمكانية تخفيف العقوبات الاقتصادية التي شكلت عبئاً كبيراً على الدولة والمجتمع. وفي المقابل، ترى واشنطن أن سوريا، بما تمثله من موقع جغرافي حساس وتقاطعات نفوذ متشعبة، باتت مفتاحاً ضرورياً لإعادة رسم التوازنات في الشرق الأوسط.

غير أن هذا التحرك الأميركي لن يمر مرور الكرام لدى الأطراف الأخرى المعنية بالشأن السوري. فروسيا، التي استثمرت سياسياً وعسكرياً للحفاظ على نفوذها في دمشق، ستتعامل بحساسية مع أي وجود أميركي قرب العاصمة التي تعدّها أحد أهم مواقع نفوذها منذ تدخلها العسكري عام 2015. عودة واشنطن بهذا الشكل تمثل بالنسبة لموسكو تقليصاً لامتيازات رسختها خلال سنوات طويلة، وقد تؤدي إلى تصاعد التنافس الروسي–الأميركي داخل الجغرافيا السورية.

أما إيران، فستقرأ الخطوة الأميركية بوصفها محاولة لإعادة توزيع موازين القوة على حساب حضورها الاستراتيجي، وقد يدفعها ذلك إلى تعزيز وجودها في المساحات التي ما زالت تحت نفوذها، لتجنب خسارة موقعها في المعادلة الإقليمية.

تركيا بدورها ستتابع التطورات عن كثب، إذ إن أي حضور أميركي إضافي داخل سوريا يعني بالضرورة تأثيراً على ملفات الشمال، وعلى مستقبل الامتداد السوري لحزب العمال الكردستاني، وهي الملفات التي تعتبرها أنقرة جوهر أمنها القومي. أما الدول العربية التي انخرطت في مسار إعادة سوريا إلى الحضن العربي، فستدرس الحدث ضمن معادلة أوسع، فالبعض يرى في الانخراط الأميركي عاملاً يساهم في الاستقرار، فيما يخشى البعض الآخر من أن يؤدي إلى عودة التنافس الدولي على الأرض السورية بدلاً من تهدئته.

في المحصلة، تشهد سوريا اليوم لحظة مفصلية قد ترسم مسار المرحلة المقبلة. فالتحركات الأميركية تفتح الباب أمام تحوّل كبير في العلاقة بين دمشق وواشنطن، لكنها في الوقت ذاته تضع البلاد أمام اختبار جديد يتطلب من جميع الأطراف، محلياً وإقليمياً ودولياً، التعامل مع الواقع المستجد بقدر من الواقعية والحكمة.

 والسؤال لم يعد ما إذا كان المشهد السوري يتغير، بل إلى أي حد ستقبل القوى المتنافسة بهذا التغيير، وإلى مدى قدرة دمشق على إدارة هذا الانفتاح بما يخدم مصالح الدولة ومستقبل السوريين.

 

 

*باحث ومستشار سياسي

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

ايران 11/7/2025 7:06:00 PM
طهران تواجه وضعاً مقلقاً بشكل خاص
اسرائيليات 11/7/2025 8:28:00 AM
"يديعوت أحرونوت": نقل أسلحة وتدريبات ميدانية جديدة لحزب الله
سياسة 11/7/2025 4:02:00 PM
بعد أن كتبت "بعلبك إيمتى؟" على تغريدة لأفيخاي... هذا ما جرى معها 
سياسة 11/7/2025 10:00:00 AM
السفارة الأميركية في بيروت: لا يمكن السماح لإيران وحزب الله بالاستمرار في أسر لبنان