قد يجد اللبناني نفسه مفاوضاً انطلاقاً من الحدث الأمني في بليدا
أرجأ المبعوث الأميركي، توم باراك، زيارته لبيروت الخميس 30 تشرين الأول/ أكتوبر، التي كانت مرتقبة، من دون أن يحدد موعداً جديداً.
وأشارت بعض المصادر المقرّبة منه، إلا إنّ أرجاء الزيارة يرتبط بالتقارير غير المشجعة التي وصلته، معلقاً أنه لا يرى ما يستحق النقاش الجدي في بيروت.
لم يمض على اعتذار باراك ساعات، حتى استفاق لبنان على تطور أمني ارتكبه العدو الإسرائيلي في بلدة بليدا الحدودية، حيث دخلتها قوة عسكرية إسرائيلية واغتالت الموظف إبراهيم سلامة في مبنى البلدية.

حمل هذا الحدث أبعاداً ميدانية، لاسيما أن الذي اغتيل موظف في القطاع الرسمي وليس عنصراً من "حزب الله"، إضافة إلى استهداف مبنى رسمي وليس موقعاً عسكرياً للحزب. فالرسالة التي أراد إيصالها العدو هذه المرة، موجهة إلى الدولة اللبنانية، وتحمل تحذيراً واضحاً أنّ الحرب الرابعة لن توفر الدولة بمؤسساتها ومرافقها.
تلقى قصر بعبدا الرسالة، حيث استدعى الرئيس اللبناني جوزف عون، قائد الجيش رودولف هيكل، طالباً منه التصدي لأي محاولة إسرائيلية للتوغل باتجاه المناطق المحررة، واستقدم بالفعل الجيش تعزيزات جديدة إلى المناطق الجنوبية لمنع تكرار ما حدث في بليدا. كما وأوصى، الرئيس عون، أعضاء لجنة "الميكانيزم" بأن لا يتوقفوا عند تسجيل الوقائع بل العمل على وضع حدّ لها من خلال الضغط على إسرائيل ودفعها إلى التزام مندرجات اتفاق وقف إطلاق النار.
إن استقدام تعزيزات عسكرية إلى المنطقة، والطلب "بنبرة تهديدية" الذي صدر من قصر بعبدا إلى قيادة الجيش، حفّز كتلة الحزب "الوفاء للمقاومة" النيابية، إلى اصدار بيان مؤيد لموقف الرئيس عون وداعم الجيش اللبناني في مهمة مواجهة العدو، ويوحي أن هناك وحدة في التعاون والتنسيق بين الجيش و"حزب الله". هذا ما أثار حفيظة دوائر القرار في واشنطن إذ عبّر عضو الكونغرس الأميركي، ليندسي غراهام، إن انضمام الجيش إلى "حزب الله" في قتال إسرائيل يعرقل جهود مساعدة لبنان.
المعطيات كافة تؤكّد أن الحرب قادمة إلى لبنان، وأن الأمور ذاهبة نحو مواجهة واسعة، فمصادر ديبلوماسية أميركية رفيعة، تعتبر أن "لبنان أضاع فرصة الحل ويتجه نحو الأسوأ، وأن الجهود لانتشال لبنان من الانهيار بحوافز اقتصادية وسياسية باتت أمام حائط مسدود". فهل ستكون بليدا النافذة التي ستخرج منها حرب لبنان مع إسرائيل؟ أم لقرار رئيس البلاد قراءات وأبعاد؟
لا نقاش في وطنية رئيس البلاد، ولا شكّ أن الجيش اللبناني يقوم بمهام الحفاظ على الوطن والمواطن، لكنّ هناك من وضع قراءة أخرى تعتبر أن حادثة بليدا، ستكون النافذة نحو ذهاب الدولة إلى تسوية حدودية عبر التفاوض مع الإسرائيلي. موقف رئيس البلاد، لا ينمّ عن حافز لمواجهة عسكرية، بقدر ما يحاكي المجتمع الدولي والعربي، موضحاً أن الجيش اللبناني على جهوزية كبيرة لبسط السيادة على أرض الجنوب فجلّ ما يحتاجه هو المزيد من الدعم، إذ إن قرار ردع المحتل من قبل الجيش، لا يعتبر حدثاً عابراً، بل استثنائياً ويجب التوقف عنده ودعمه على الأقل من قبل ممثلي لجنة الميكانيزم. فهل يجوز أن يعاني الجيش من نقص ألغام أميركية لتفجير ذخائر "حزب الله" التي يتمّ ضبطها؟
إن انتشار الجيش اللبناني بقوة على النقاط الأمامية الحدودية مع فلسطين المحتلة، لا يتعلق بوحدة المسار مع "حزب الله" بالموقف الذي يرفض تسليم السلاح إلى المؤسسة العسكرية، رغم قرار الحكومة في 5 و7 آب/ أغسطس الماضي القاضي بحصرية السلاح. فالجميع بات على دراية إن سلاح "حزب الله" الذي يتعرض يومياً لـ"استنزاف قاتل" من قبل العدو له مهمات لا تتوقف عند الدفاع عن الأرض، بل يجد فيه البعض ورقة في يد اللاعب الإيراني الذي يفاوض أعضاء لجنة الميكانيزم على ملفه النووي وعلى رفع العقوبات.
لهذا، فموقف رئيس البلاد لا يشكل غطاءاً سياسياً لواقع الحزب وسلاحه، إذ منذ خطاب القسم إلى اليوم والرئيس عون واضح في ما خصّ حصرية السلاح. ولكن ما حمل عليه أمر المواجهة ونشر الجيش يرتبط بتطبيق القرار رقم 1701، من خلال توكيل الجيش مهمة حماية السيادة والدفاع عن اللبناني دون سواه. لهذا فإن حادثة بليدا يجب التوقف عندها من قبل الدول المعنية، لأنّها قد تفتح الطريق نحو التفاوض وإرساء التسوية المنشودة، وتقطع الطريق أمام الاصطياد في الماء العكر، فهل من يعتبر؟
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.
نبض