استهداف الاتحاد الأوروبي لبنوك آسيا الوسطى: التحولات السياسية وردود الأفعال...
د. خالد العزي*
أعلن الاتحاد الأوروبي بتاريخ 27 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، عن فرض عقوبات على 12 بنكاً وشركة من دول آسيا الوسطى، بما في ذلك طاجيكستان، قيرغيزستان، وكازاخستان، بسبب مزاعم تورطها في التهرب من العقوبات المفروضة على روسيا. هذه العقوبات، التي تدخل حيز التنفيذ في 12 تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، قد تؤدي إلى تداعيات كبيرة على المؤسسات المالية في المنطقة. كما تعكس هذه الإجراءات تحولاً استراتيجياً في سياسة الاتحاد الأوروبي، بحيث لا يقتصر الضغط الآن على روسيا فحسب، بل يمتد ليشمل دول آسيا الوسطى التي تُتهم بمساعدة موسكو في الالتفاف على العقوبات.
موقف قيرغيزستان: اعتراضات ومقترحات للمراجعة
وأعربت قيرغيزستان عن أسفها الشديد إزاء قرار الاتحاد الأوروبي فرض عقوبات على بعض شركاتها المالية، مشيرة إلى أن هذه العقوبات تستند إلى مزاعم غير مؤكدة حول تورط هذه الشركات في التهرب من العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. وفي ردها، دعت قيرغيزستان إلى إجراء مراجعة مستقلة لأنشطتها المصرفية، مؤكدة استعدادها للتعاون مع الاتحاد الأوروبي عبر تشكيل فريق عمل مشترك يختص بمراقبة المعاملات المالية وتحليل المخاطر المحتملة.

كما أكدت التزامها الكامل تعهداتها الدولية، وحرصها على الحفاظ على حوار مستمر مع الاتحاد الأوروبي لمنع أي ممارسات قد تتعارض مع العقوبات الغربية. وأعربت عن رغبتها في إجراء تدقيق دولي مستقل للتحقق من صحة هذه الاتهامات، معتبرة أن التعاون الشفاف مع بروكسل هو الحل الأمثل للتعامل مع هذه القضية.
موقف طاجيكستان: الاستقرار في النظام المصرفي
وأعلنت طاجيكستان أنها تدرس الوضع بعناية بالتنسيق مع المؤسسات المالية المحلية والشركاء الدوليين، وأكد البنك الوطني الطاجيكي أن جميع المعاملات المحلية تعمل كالمعتاد. بالنسبة للتحويلات الدولية، قد يكون هناك بعض التحديات نتيجة إجراءات التفتيش الإضافية، ولكن الخدمات المصرفية الأساسية لن تتأثر بشكل كبير.
موقف كازاخستان: استقرار النظام المصرفي رغم العقوبات
في كازاخستان، أكد وزير المالية يرولان جاموباييف أن العقوبات على بنك VTB كازاخستان لن تؤثر بشكل كبير على الاقتصاد المحلي، إذ أن البنك المذكور ليس جزءاً كبيراً من النظام المصرفي الكازاخستاني. وأضاف أن النظام المصرفي في كازاخستان يظل مستقراً، ويخضع لإشراف البنك المركزي الذي يضمن استمرارية الأنشطة المصرفية الرئيسية في البلاد.
العقوبات على العملات الرقمية: التأثيرات المحتملة
تركيز الاتحاد الأوروبي في العقوبات الجديدة على العملات الرقمية يبدو خطوة استراتيجية إضافية، بحيث حظر التعامل مع عملة A7A5 الرقمية المُقوّمة بالروبل، التي كانت تُستخدم لتسهيل المدفوعات مع روسيا. يُعتقد أن هذا الحظر سيؤدي إلى إعاقة التجارة الإلكترونية والمالية بين روسيا ودول آسيا الوسطى، مع تأثيرات قد تمتد إلى المستخدمين في جميع أنحاء العالم.
خيارات دول آسيا الوسطى: تحديات التوازن
دول آسيا الوسطى، في مواجهة هذه العقوبات، أمامها خياران: إما الامتثال للضغوط الأوروبية وتقليص التعاون مع روسيا، وإما البحث عن بدائل للحفاظ على العلاقات الاقتصادية مع موسكو. قيرغيزستان اختارت الخيار الثاني، بحيث تسعى إلى التكيف مع الوضع من خلال تخصيص مؤسسات مالية منفصلة للتعامل مع روسيا. في المقابل، تُظهر دول أخرى مثل كازاخستان وطاجيكستان مواقف أكثر مرونة، إذ تحاول إيجاد حلول وسطية للحفاظ على استقرار علاقاتها الاقتصادية مع روسيا.
بالمجمل، تعكس ردود فعل دول آسيا الوسطى على العقوبات الأوروبية رغبتها في تحقيق توازن بين الامتثال للضغوط الغربية والحفاظ على روابطها الاقتصادية مع روسيا. بينما تتبنى قيرغيزستان نهجاً دفاعياً في التصدي للعقوبات، تظهر دول مثل كازاخستان وطاجيكستان استعداداً أكبر للتكيف مع الوضع الحالي.
وفي النهاية، يبقى السؤال مفتوحاً حول مدى قدرة هذه الدول على الحفاظ على علاقاتها مع روسيا من دون التأثير الكبير على اقتصاداتها نتيجة للعقوبات الغربية.
-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية
نبض