انقلاب في مشهدية الشرق الأوسط؟

آراء 05-11-2025 | 00:10

انقلاب في مشهدية الشرق الأوسط؟

القوى المنكفئة ما زالت تكابر، مستفيدة من تجارب ماضية سمحت لها "بالعربشة" على مساحات حيوية ليست من حقها، أو أنها أكبر من قدرتها الاستيعابية الاستراتيجية. 
انقلاب في مشهدية الشرق الأوسط؟
في عامين انقلب المشهد تماماً في الشرق الأوسط (أ ف ب)
Smaller Bigger

خلال عامين من الكرّ والفرّ، تغيَّر الشرق الأوسط، وانقلبت الصورة فيه رأساً على عقب، وشهدت أيام السنتين المُنصرمتين ويلاتٍ وحروباً فريدة من حيث بشاعتها، وقاسية في جرائمها المروِّعة، ومُدهشة من حيث نوعية الأسلحة المستخدمة فيها، بينما تداعياتها الاستراتيجية كانت كبيرة جداً، حيث انكفأت قوى إلى منخفضات سياسية أرضية،  وصعدت قوى أخرى إلى فضاءات شاهقة، بينما الواقعية جنَّبت قوى أخرى مهالك مؤكدة، وبرزت على الساحة معادلات جديدة مرتبطة عضوياً بسياق الصراع الدولي، تستفيد منه أحياناً، وتتأثر فيه سلباً أحياناً أخرى.

 

القوى المنكفئة ما زالت تكابر، مستفيدة من تجارب ماضية سمحت لها "بالعربشة" على مساحات حيوية ليست من حقها، أو أنها أكبر من قدرتها الاستيعابية الاستراتيجية. ويمكن اعتبار إيران وحلفائها في مقدمة هؤلاء، ولكنها ليست وحدها المعنية فقط، فالعامل السوري السابق كان مؤثراً، وفيه حركية استقطابية لها امتداداتها الأفقية إقليمياً ودولياً.

 

 

والقوى الصاعدة ليست أمام انتصارٍ مضمون، وهي حلَّقت في فضاءات عالية، وليس بإمكانها البقاء حيث وضعت نفسها، والتوغلات العسكرية المؤذية، كما عمليات القتل والتدمير "الذكية" لا تكفي للانتصار، وهذه عوامل ليست حاسمة للنتيجة النهائية في منطقة مضطربة ومتداخلة، وفيها مصالح حيوية لكل القوى الدولية الكبرى، والسلطنة العثمانية التي سيطرت عليها لمدة 400 عام، كانت مُلزمة بالتعاون مع الدول الكبرى، وعلى إعطاء هوامش للحراك المحلي لمجموعات وزانة من مكوناتها.

 

في مقدمة القوى الصاعدة اليوم، إسرائيل، ولكن الانفلاش المقيت الذي مارسته، والعنجهية التي تصرفت بموجبها، والجرائم الشنيعة التي ارتكبتها في غزة وفي لبنان وفي سوريا وفي اليمن، وعدم استجابتها للرغبة الدولية العارمة بإنشاء دولة فلسطينية كاملة السيادة، أفقدتها استعداد دول وقوى كانت تُحضِّر للتطبيع معها، وهي خسرت أيضاً تعاطفاً دولياً، وأغضبت الرأي العام العالمي، والأميركي خصوصاً، ما أجبر حليفتها الأساسية واشنطن على تغيير استراتيجيتها، والضغط للوصول إلى وقف حرب غزة التي سببت أسوأ الكوارث، حتى ولو لم تتبلور صيغة نهائية لمستقبل القطاع بعد.

 

 وأفرزت التغييرات الهائلة التي حصلت في المنطقة معادلات جديدة، دفعت بالقوى التي مارست صبراً استراتيجياً منقطع النظير إلى واجهة المشهد رغم احتمالها لبعض اللوم الشعبي، ويمكن التأكيد أن مجلس التعاون الخليجي برز كقوة إقليمية مؤثرة، لا سيما من خلال الدور الذي اضطلعت به المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة وقطر، حيث جمعت الأولى الدول العربية والإسلامية مرتين متتاليتين، واستضافت أهم الرؤساء، بينما نجحت الثانية في لعب أدوارٍ تفاوضية مهمة مع الغرب ومع الشرق، منها مُعلن ومنها غير مُعلن، ونفذت قطر من تداعيات اعتداءين عسكريين من الوزن الثقيل استهدافاً أراضيها، واحد من الصواريخ الإيرانية التي طالت قواعد أميركية فيها، وواحد من الطائرات العدوانية الإسرائيلية التي حاولت اغتيال قيادات فلسطينية في الدوحة، وتمكنت قطر من استقطاب أوسع تعاطف دولي حولها، وهي جمعت قادة كُثراً من العالم  تضامناً معها، وفرضت على إسرائيل الاعتذار.

 

أما مصر وتركيا، فلم يتراجع دورهما، ونجتا من هول الحروب المُتفلِّتة، كما نجحتا في الحفاظ على حدود تأثيرهما على ملفات المنطقة، لكن لا نستطيع القول إنهما من أبرز القوى المستفيدة من التغييرات، لأن القاهرة تضررت كثيراً من جراء تراجع حركة قناة السويس، ومن بعض ما ألصق بموقفها تجاه العدوان على غزَّة، ولأن أنقرة مارست ديبلوماسية مفرطة في تعاملها مع الأحداث الكبرى، فهي أدانت إسرائيل مرات عدة، ولكنها لم تقطع العلاقات التجارية معها طيلة فترة العدوان، كما أنها وضعت أحد قدميها في الشرق وقدماً أخرى في الغرب في سياق تواصلاتها مع القوى الكبرى، بينما بالغت في استثمار الحدث السوري بعد سقوط نظام الأسد، وتركت جماعات مقربة منها تشترك في ارتكاب فظاعات غير مقبولة في مناطق الساحل والجنوب.

 

وعلى مستوى الاستقطاب الدولي، يمكن تأكيد تراجع منسوب تأثير المنظومة الشرقية على المنطقة الشرق أوسطية أو "جنوب غرب آسيا كما تسميها الصين"، والانكفاء الروسي والصيني ترك فراغاً كبيراً ملأته الولايات المتحدة الأميركية بمفردها، من دون أن تترك لحلفائها الأقوياء في القارة الأوروبية مساحة تأثير كبيرة على الأحداث.

 

العامل التغييري الأهم في المنطقة، كان في فرض اللاعب الأميركي نفسه نجماً وحيداً لا ينافسه أحد، وهو يوزِّع أدوار اللاعبين الآخرين كما يشاء، وبما يتناسب مع مصالحه العليا، لأن واشنطن هي الوحيدة التي تؤثر فعلياً على سياسة إسرائيل، وقادرة على ضبط عدوانها، ولديها إمكانيات للتدخل العسكري المباشر في الملفات الساخنة (كما حصل في قصفها للمفاعلات النووية الإيرانية في 22/6/2025) ويمكنها محاصرة حلفائها الأُوروبيين أو إطلاق عجلات عرباتهم عندما تشاء. كما تمتلك قدرة فريدة على استخدام المنطقة العربية وممراتها البحرية والبرية والجوية في لعبة التجاذب الدولي القائمة مع أندادها اللدودين في بكين وموسكو.

 

-المقاربة الواردة لا تعكس بالضرورة رأي مجموعة "النهار" الإعلامية.

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/4/2025 6:56:00 PM
شقيق الضحية: "كان زوجها يمسك دبوسا ويغزها في فمها ولسانها كي لا تتمكن من تناول الطعام".
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."
لبنان 11/3/2025 11:23:00 PM
الفيديو أثار ضجة وغضباً بين الناشطين، حيث اعتبر كثيرون أن استخدام الهواتف والإضاءة الساطعة داخل هذا المعلم السياحي يؤثر على السياح هناك.
لبنان 11/4/2025 8:47:00 AM
دعت هيئة قضاء جبيل القوى الأمنية المختصة إلى التحرّك الفوري واتخاذ الإجراءات اللازمة لمحاسبة الفاعلين