الوجه المُشرق لإضاعة الوقت

اقتصاد وأعمال 29-10-2025 | 14:10

الوجه المُشرق لإضاعة الوقت

لكن من كان يظن أن تضييع الوقت المُتعمّد سوف يكون له وجهٌ آخر مُشرق هذه المرّة، وسوف يفتح الباب أمام أفكار جديدة وحلول مبتكرة لإصلاح الوضع وإعادة الحقوق لأصحابها في حال تمّ إعتماد الحلول وتنفيذها بجرأة وبسرعة ومن دون مزيد من التأخير.
الوجه المُشرق لإضاعة الوقت
دولار أميركي (النهار)
Smaller Bigger

جان-كلود سعاده (*)

منذ إنكشاف الأزمة الماليّة قبل ستّة أعوام كاملة، إستمرّت المماطلة وإضاعة الوقت وعدم إتخاذ أي قرارات  حاسمة لمعالجة الوضع، واستمر هذا النهج سياسة مُعتمدة ومُتعمًدة لم تُفهم أبعادها إلّا لاحقاً. فالأزمة التي كان يمكن تفاديها أو الحدّ من وقعها على الاقتصاد وعلى المجتمع، تم تعميقها وتعقيدها بسلسلة من القرارات والممارسات التي كان الهدف منها توفير الظروف المناسبة والوقت الكافي للنافذين والمحظيين، من أجل ترتيب أمورهم ومتابعة تهريب أموالهم الذي كان قد بدأ قبل سنوات. 

لكن من كان يظن أن تضييع الوقت المُتعمّد سوف يكون له وجه آخر مُشرق هذه المرّة وسوف يفتح الباب أمام أفكار جديدة وحلول مبتكرة لإصلاح الوضع وإعادة الحقوق لأصحابها، في حال تمّ إعتماد الحلول وتنفيذها بجرأة وبسرعة ومن دون مزيد من التأخير؟

فمن ناحية أولى، لقد إرتفعت قيمة الذهب الذي يملكه مصرف لبنان من 13 الى 38 مليار دولار حتى اليوم (زيادة ثلاثة أضعاف). ومن ناحية أخرى لقد تبلور الكثير من الأفكار الجديدة والتقنيات المالية الحديثة والتجارب العالميّة التي تمكّن الباحثين الجديّين عن الحلول من إعتمادها. ومن جُملة هذه الحلول إمكان إضطلاع مصرف لبنان المركزي بدور محوري وجديد غير تقليدي في الخروج من الأزمة الماليّة-المصرفيّة، وخصوصاً أن هذا الدور سوف تكون له ثلاث إيجابيّات مطلوبة جدّاً في هذه المرحلة وهي القدرة على إعادة الودائع المشروعة لأصحابها، إستعادة الثقة بالنظام المصرفي والإقتصاد اللبناني بشكل عام، والخروج التدريجي من إقتصاد الكاش واللائحة الرمادية. 

فماذا يمكن أن يشمل هذا الدور الجديد وما هي أبرز مفاعيله؟

– إصدار عملة رقمية ثابتة مدعومة بالذهب – Central Bank Digital Stable Coin
يمكن مصرف لبنان إستعمال جزء من مخزون الذهب إضافة الى أصول أخرى، يملكها المركزي والمصارف التجارية والدولة، لضمان إصدار عملة رقمية ثابتة مدعومة بهذه الأصول. هكذا يمكن المصرف المركزي أن يصبح لديه ما قيمته 40 أو 50 مليار دولار من العملات الرقميّة الثابتة القابلة للإستعمال من دون بيع الذهب أو الأصول. 

– إصدار حسابات رقمية وطنيّة National Digital Accounts –  
هناك أكثر من سبب معنوي وتقني لضرورة إضطلاع مصرف لبنان بدور يتعدى دوره التقليدي في هذه المرحلة، وهذه المرّة لمصلحة ترميم العلاقة بين المودعين والنظام المصرفي ككل. ولأن عودة الثقة عبر الخطابات والتصريحات لم ولن تكون ممكنة، يمكن مصرف لبنان خلق آليّة معيّنة أو مؤسسة تابعة له لإصدار حسابات رقميّة وشخصية وإدارتها في المرحلة الأولى للراغبين من المودعين وغيرهم من المواطنين. فمع تطوّر التكنولوجيا والتطبيقات المالية يمكن المصارف المركزية إدارة الحسابات الشخصية التي تحتاج الى قدر محدود من المتابعة بحيث أن معظم العمليات يمكن القيام بها رقميّاً من أي مكان وفي أي وقت. من ناحية أخرى، يُعتبر الحصول على ضمانة سيادية من المصرف المركزي لهذه الحسابات الشخصية عامل إستقرار وحماية لفئة من المجتمع تعاني حاليّاً من فقدان الثقة التام بالنظام المصرفي اللبناني، وهي لا تزال بحاجة الى خدمات مصرفيّة أساسية لإدارة أمورها. تبقى الخدمات المصرفية التجارية والإستثمارية من إختصاص القطاع المصرفي بعد تعافيه.

 
– إعادة الودائع المشروعة
يمكن المصرف المركزي أن يخرج من الخطط المعلّبة والموروثة وأن يبدأ بإعادة الودائع المشروعة لأصحابها خلال فترة قصيرة. فبعد التدقيق في شرعيّة الودائع يمكن الراغبين من المودعين أن يختاروا إسترداد أموالهم أو قسم منها بالعملة الرقمية الثابتة لمصرف لبنان، على أن تودع في حساباتهم الرقمية لديه. يبقى للبنك المركزي إمكان جمع هذه العملات تدريجاً وإستردادها في المستقبل ومع تحسُن إحتياطاته من العملات الأجنبية.

– تقليص إقتصاد الكاش وزيادة الرقابة

سوف تساهم الخطوات الثلاث السابقة في تقليص "إقتصاد الكاش" بشكل ملحوظ عبر إنتقال مئات آلاف الحسابات الى مصرف لبنان أو مؤسسة تابعة له، وإنتفاء حاجة الكثيرين الى التعامل بالكاش او المرور بشركات تحويل الأموال. كما سوف تساعد على تشديد الرقابة والشفافيّة على جزء كبير من التعاملات الماليّة، عبر إعتماد عدد كبير من اللبنانيين طوعاً للحسابات الرقمية في مرحلة أولى ومن ثم إحتمال عودتهم الى التعامل مع المصارف في المستقبل لحاجاتهم التجارية والإستثماريّة. 

– خلق نظام دفع جديد وموثوق
لا يمكن الإقتصاد أن يعمل من دون نظام دفع فعّال وشفّاف ومخفوض التكلفة. فارتباط نظام الدفع بالمصرف المركزي يؤمن إستمراره وفعاليته وخضوعه للمراقبة. قد يجد البعض في نظام دفع مركزي تديره المصارف المركزية زيادة في المراقبة من السلطات الماليّة والقضائيّة، ولكنها مفاضلة يجب القيام بها مقارنة بنظام دفع تديره جهات أخرى ويكون عُرضة للخضات المتكررة.

توالي الأزمات الماليّة والإقتصادية حول العالم وتعثّر المصارف لأسباب مختلفة وإضطرار المصارف المركزيّة الى التعامل مع نتائج هذه الصدمات وضرورة الحدّ من وقعها، يجب أن يدفع هذه المؤسسات التقليدية والحذرة بطبيعتها الى التفكير بحلول غير تقليديّة، وأن تبدأ بلعب أدوار جديدة أوسع من أدوارها المعروفة. من ناحية ثانية، أصبحت الابتكارات الجديدة والتكنولوجيا الرقمية المالية Fintech تتيح للمصارف المركزيّة أن تأخذ بعض وظائف القطاع المصرفي وتضعها تحت إدارتها ومراقبتها للتخفيف من آثار الصدمات المالية على بعض الفئات المجتمعيّة. 

لم تكن الأزمة المالية والنقدية التي تعرّض لها لبنان ولا يزال عادية ومألوفة بأيّة مقاييس، ولعل الخروج منها يتطلب أولاً التحوّل من طريقة التفكير والمعالجات التقليدية الى إعتماد أفكار وحلول مبتكرة، وإن يكن ما أوصلنا إلي هذه الحلول هو سياسة إهدار الوقت والفُرص خلال السنوات الماضية.

(*) خبير في إستراتيجيات العلامات التجارية والتواصل

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/31/2025 2:00:00 PM
أشقاء الشرع.. مسؤولان بارزان في الحكومة وثالث "معاقَب"
شمال إفريقيا 11/1/2025 8:19:00 AM
من هي الدول المشاركة في حفل افتتاح المتحف المصري الكبير؟ 
سياسة 11/1/2025 3:32:00 PM
برّاك: "آلاف الصواريخ المنتشرة في جنوب لبنان ما زالت تشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل"...
اقتصاد وأعمال 10/31/2025 9:15:00 AM
جدول جديد لأسعار المحروقات