المستأجرون القدامى بين مطرقة القانون وسندان اللوبي العقاري
د. عباس حسن وهبي
أثار تعديل قانون الإيجارات رقم 11/2025 موجة اعتراض واسعة، إذ اعتُبر قانونًا تهجيريًا يطيح بالحقوق المكتسبة، خصوصًا في القطاع غير السكني. ورغم وصفه بالإنجاز التشريعي، إلا أنّ الواقع يكشف انحيازاً لمصالح اللوبي العقاري والمالي على حساب الاستقرار التجاري والاجتماعي.
القانون الجديد ألغى ضمانات أساسية أقّرها القانون 160/92، وقانون المؤسسة التجارية رقم 11/67، ما يتعارض مع المادة 15 من الدستور التي تحمي الملكية الخاصة، ومع قرارات سابقة للمجلس الدستوري، أبرزها القرار رقم 1/99.
تحرير الإيجارات التجارية يضرب أحد عناصر الملكية التجارية للمستأجر، ويهدد الاقتصاد الوطني المبني جزئيًا على هذه القوانين الثابتة والمعترف بها دوليًا. فتعديل القانون بتاريخ 26/09/2025 جاء تحت شعار "تحرير الإيجارات"، لكنه أدّى فعليًا إلى مصادرة الحقوق المكتسبة، وتحويل المؤسسات والمكاتب والعيادات إلى أماكن مستثمرة لفترة محددة، تُفرض عليها الإخلاء المحتّم، وتُترك تحت رحمة بعض المالكين الذين يفرضون تخمينات عالية دون مسوّغ قانوني.
المجلس الدستوري لم يوفق في قراراته الأخيرة، التي جاءت متناقضة مع سابقتها، مما زاد من تعقيد المشهد القانوني، وفتح الباب أمام تجاوزات بحق المستأجرين. فالقانون المطعون فيه لا يكتفي بإلغاء الضمانات، بل يطيح بالتزامات التجار داخليًا وخارجيًا، ويتجاهل استثمارات بلغت ملايين الدولارات كانت محمية قانونًا عبر التعويض واستمرارية الأعمال.

الاتفاقات السابقة بين المالك والمستأجر، وفقًا للقانون 160/92، حُوّلت إلى القانون 159/62، ما أضعف موقع المستأجر قانونيًا وعمليًا. والمؤسسات التجارية باتت مهددة بالإخلاء القسري، دون تعويض عادل، وبلا حماية من التخمينات التعسفية. فلا يمكن لقانون استثنائي أن يلغي الضمانات المعطاة للتجار وأصحاب المهن، خصوصًا أن التشريع اللبناني كفل سابقًا هذه الاستثمارات، ونص على التعويض عند استردادها. وتجاهل هذه الحقوق يُعد انتهاكًا صارخًا للملكية التجارية، ويقوّض الثقة بالمنظومة القانونية والاقتصادية.
لذا فمن الضروري إعادة تقييم القانون وتعديله على الأقل في النقاط التالية: إعطاء بدل الإخلاء بنسبة 50% من قيمة المأجور في نهاية مدة تسع سنوات، على غرار القانون الفرنسي؛ إلغاء الفقرة "ب" من المادة 10 التي تجيز الطرد مقابل 15%؛ إلغاء الفقرة "د" التي تقلّص التعويض رغم إبطالها سابقًا؛ تخفيض بدل المثل من 5% إلى أقل من 3% أو اعتماد مضاعافات حسب تصنيف المناطق؛ وكذلك يتوجّب حفظ حقوق المستأجرين في الأماكن المدمّرة والمهدّمة في أسرع وقت.
لم يفت الأوان، بل سيكون موقفاً حميداً أن يُصحّح المجلس النيابي ما اقترفه من خطيئة لأنّ التاريخ لن يرحم هذا التعدّي، والمستأجرون القدامى من مختلف الشرائح والطوائف لن يسكتوا عن هذا الضيم، ولو بلغ السيل الزبى.
نبض