حذاري المبالغة في التفاؤل

سعد نسيب عطاالله
أريد ذكر الحادثة التالية قبل الكلام عن وعود حكومة نواف سلام حول تحقيق الإصلاحات في القطاع العام.
بدأت العمل في مطلع شبابي في مؤسسة عامة مستحدثة ذات طابع خاص، متخصصة في رعاية شؤون العمل والعمال، وكانت بمثابة إنجاز وطني هام في حينه، هاجسها خدمة الناس بموضوعية خاضعة لنظام إداري صارم، يعتمد على شبيبة خريجي الجامعات الجدد، ويمنع التواصل المباشر بين المراجع والموظف.
حدث مرة أنني كنت مسؤولاً على الكونتوار عن مراجعات الناس، حين وصل رجل كبير في السن، عرّف عن نفسه أنه من مشايخ القبائل، ويريد الدخول إلى صالة الموظفين للحديث مع قريبه. طلبت منه عدم الدخول، لا بل صددته في البدء، لكنه دفع الباب بقوة ودخل قائلا بصوت عال: "شو جايي تقوّمها هون؟"
دخل هذا الشخص وتحدث مع قريبه، وخرج باسماً، مختالاً ومتهكماً، دون أن يكلف مدير المكتب نفسه أي عناء، أو تدخل، أو حتى معاكسته. كانت تلك الحادثة أول درس أتعلمه مع بداية عملي في القطاع العام.
هل علينا أن نصدق حالياً أن تصويب أمور النظام في القطاع العام وإصلاحه من جانب الحكومة الحالية، سوف يلقى تجاوباً إيجابيا من الفرد اللبناني الذي عايش الإفساد والفساد في تعامله مع القطاع العام على مدى عقود عديدة؟
مع التقدير والاحترام البالغين لأعضاء الحكومة الأشاوس، أصحاب الكفاءات والمؤهلات العلمية والخدماتية العالمية، الذين حقق معظمهم، في كبريات المؤسسات العالمية، إنجازات بالغة ومرموقة، بمقدورهم إنجاز الإصلاحات العديدة المطلوبة، في قطاع عام تنخره الرشاوى، "والفتاوى"، والفوضى، والجهل والفساد، والترهل، والتخلف؟
إن هؤلاء الوزراء "النخبة" عالمياً، قد حققوا تطلعاتهم في مؤسسات على قدر سامٍ وعالٍ من التنظيم الإداري، والمحاسبة، والشفافية، في دول متقدمة، تعمل على تطوير خدماتها من أجل استقرار، وبحبوحة شعوبها، ولإحقاق العدالة والمساواة بين مواطنيها، وليس بين عشائرها، ومذاهبها، وطوائفها، وأحزابها، ومافياتها، كما هي أحوالنا في بلد المزرعة لبنان.
لا أبالغ في نسبة التشاؤم التي تشوبني، كما الكثيرين من اللبنانيين الغيارى على هذا الوطن، إنما لا يزال عندي بعض الأمل، في أن يسود الأمن والأمان، وتتحقق آمال الشعب المعاني بالوصول إلى الحق والحقيقة في نظام عادل، صارم، وحازم، ينال فيه الفاسد جزاءه، والصالح الحفاظ على كرامته وحريته، وكامل حقوقه.