عقوبة الإعدام دولياً ومحلياً

بدرو جبران
تُعتبر الجرائم إحدى أخطر الظواهر داخل المجتمعات ويُنظر إلى المجرمين كفئة مرفوضة اجتماعياً بسبب الضرر الذي يلحقونه بالمجتمع والذي يؤثر على أمنه واستقراره ويحول دون تنميته. لذلك، كان من الضروري مواجهة هذه الجريمة بالعقوبة المفروضة لحماية المجتمعات وأمنها واستقرار الأفراد داخلها. وعليه، فالعقوبة مرتبطة بالجريمة. وقد تم تعريف العقاب والعقوبة بمعنى واحد، وهو الجزاء، الذي يمثل رد الفعل على الجريمة المرتكبة، وهو جزاء يحدده القانون ويختص القاضي بتوقيعه بموجب حكم صادر عن محكمة مختصة على شخص مسؤول عن جريمة معين.
إن الهدف الرئيسي للعقوبة هو مكافحة ظاهرة الجريمة وحماية المجتمع والأفراد من كافة أشكال السلوك الإجرامي. ويتعين على السلطات المختصة اتخاذ كافة الوسائل الضرورية لصرف الأفراد عن السلوك الإجرامي أو تكراره وإبراز الإصلاح أمام المشرع وإرشاده إلى أفضل أنواع العقوبات التي تحقق غرضها في مكافحة الجريمة وإضافة الأساليب الأكثر ملاءمة في تنفيذ العقوبات الجزائية من أجل تحقيق هدف التنفيذ وتحقيق أغراض العقوبة من خلال تحقيق العدالة وتحقيق وظيفة الردع العام والخاص.
تتنوع العقوبات حسب نوع الجريمة، ولكن موضوعنا الحالي هو عقوبة الإعدام.
عرفت البشرية على مر العصور طرقاً مختلفة لتنفيذ عقوبة الإعدام، تراوحت بين قطع رأس المحكوم عليه وشنقه، إلى الرمي بالرصاص والصعق بالكهرباء. ويختلف استخدام هذه الأساليب من دولة إلى أخرى.
وتشير السجلات التاريخية إلى أن عقوبة الإعدام كانت حاضرة منذ بداية التاريخ، وقد كانت جزءاً من أنظمة العدالة التي اتبعتها الشعوب والقبائل البدائية، علماً بأن المجتمعات القبلية كانت تميل إلى تطبيق عقوبات أخرى كالنفي أو العقوبات الجسدية. كما تضمنت القوانين القديمة عقوبة الإعدام، حيث تنص التوراة على فرضها في حالات القتل والسحر والاختطاف والجرائم الجنسية والتجديف (الاستهزاء بالله ودينه).
لقد ألغت معظم الدول، بما في ذلك تقريباً جميع الدول المتقدمة، عقوبة الإعدام إما في القانون أو في الممارسة، لا سيما منذ أن أصبح إلغاء عقوبة الإعدام شرطاً للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
ومن الاستثناءات البارزة الولايات المتحدة واليابان وتايوان وسنغافورة. وفي حين تبنت بعض ولايات الولايات المتحدة الأميركية إلغاء عقوبة الإعدام، لا تزال مطبقة في بعض الولايات الأخرى، بالإضافة إلى تنفيذ عقوبة الإعدام في الصين والهند ومعظم الدول الإسلامية.
وترى منظمة العفو الدولية أن عقوبة الإعدام تنتهك حقوق الإنسان، وخاصة الحق في الحياة والحق في العيش بمنأى عن التعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. كلا الحقين محمي بموجب الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي اعتمدته الأمم المتحدة في عام 1948.
وعلى مر الزمن، اعتمد المجتمع الدولي عدة صكوك تحظر استخدام عقوبة الإعدام، بما في ذلك ما يلي:
• البروتوكول الاختياري الثاني للعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الهادف إلى إلغاء عقوبة الإعدام.
• البروتوكول رقم 6 لاتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام، والبروتوكول رقم 13 لاتفاقية حقوق الإنسان الأوروبية، المتعلق بإلغاء عقوبة الإعدام في جميع الظروف.
• بروتوكول الاتفاقية الأميريكية لحقوق الإنسان لإلغاء عقوبة الإعدام.
أما في لبنان، فعقوبة الإعدام هي عقوبة قانونية منصوص عليها في قانون العقوبات اللبناني. تقع عقوبة الإعدام ضمن اختصاص المحاكم الجزائية والمجلس العدلي والمحكمة العسكرية. عندما تصدر محكمة حكماً بعقوبة الإعدام، تتم دراسة القرار من قبل لجنة العفو؛ وبعد ذلك ومن أجل تنفيذ الإعدام، تكون هناك حاجة إلى توقيعات وزير العدل ورئيس الوزراء ورئيس الجمهورية. وقد شهد وضع عقوبة الإعدام في لبنان تراجعاً خاصاً في عام 2014 بشكل رئيسي بعد صدور عدة أحكام بالإعدام من قبل المجلس العدلي، بعضها صدر غيابياً.
كانت معظم أحكام الإعدام متعلقة بجرائم الإرهاب والقتل. في أيلول/سبتمبر 2011، وافق البرلمان اللبناني على مشروع قانون لتعديل القانون رقم 463/2002 بشأن تنفيذ أحكام عقوبة الإعدام. أوجد هذا وضعاً رسمياً للمحكوم عليهم بالإعدام دون تنفيذ الحكم، وهو مؤشر على أن مفهوم العقوبة في نظام العدالة الجنائية اللبناني قد بدأ في التطور. هذا التعديل لا يهدف إلى إلغاء عقوبة الإعدام ولكنه عزز موقف لبنان من وقف التنفيذ غير الرسمي. في شباط/فبراير 2012، قدم النائب إيلي كيروز مشروع قانون إلى البرلمان لإلغاء عقوبة الإعدام من قانون العقوبات اللبناني؛ ومع ذلك، لم تتم بعد جدولة هذا القانون للمناقشة في البرلمان.
يبقى السؤال المطروح.. في ظل ما تشهده الأمة من جرائم بكافة أنواعها وأشكالها وتفكك المجتمع اللبناني واستمرار انهيار الوضع المالي والاجتماعي، هل الدعوة إلى تفعيل عقوبة الإعدام تؤدي إلى حل بعض المشاكل واستقرار الوضع الأمني؟