طرد زيلنسكي وسياسة الواقع الجديد
صبري الرابحي - تونس
اهتزت مملكة السوشيال ميديا في العالم على وقع مشاهد مغادرة الرئيس الاوكراني فولوديمير زيلنسكي البيت الأبيض مسرعاً، وبتعابير متناسقة تماماً مع حدّة النقاش في داخل مكتب الرئيس الأميركي دونالد ترامب وأمام وسائل الإعلام الأميركية.
خلال دقائق قليلة، كان الرئيس الأوكراني في مواجهة مباشرة مع الرئيس الأميركي ونائبه جيه دي فانس في ما يشبه المحاكمات الأميركية، فوجد نفسه أمام نائب الرئيس كمدّعٍ عام، وترامب كقاضٍ، وترك لممثلي وسائل الإعلام دور هيئة المحلفين لتضطلع بدور الاتهام أو المحاكمة، بواسطة عدسات الكاميرات، التي نقلت كل ذلك إلى العالم لينقسم المشاهدون إلى قسمين:
مساندو زيلنسكي:
داوم زيلنسكي على الظهور بصورة محدّدة منذ بداية التوتر بين روسيا وأوكرانيا. ظهوره الإعلامي كان مدروساً جداً، ونجح في تمرير الرسائل ليوحي بأنه زعيم فذّ لأمة مضطهدة أحياناً، ويظهر بلباس عسكريّ ليوحي بأنه رجل الميدان وأنه القائد الذي لا يتخلف عن الجبهة.
استطاع لوقت طويل من خلال خطابه المعتدل أن يستميل تعاطف الكثير من المتابعين للحرب، الذين يرونه كأحد أبطال رفع اللاءات أمام روسيا في العصر الحديث، والذي نجح فيه نسبياً مقارنة بجورجيا على الأقلّ، التي أذعنت لمطامع روسيا خلال خمسة أيام فقط.
مساندو ترامب:
ظهر دونالد ترامب خلال أسبوعين فقط ليفصل في النزاع الروسي - الأوكراني بعد ثلاث سنوات من الحرب، ولم يكن عنصر توتر هذه المرة مثلما فعل في حرب إسرائيل الأخيرة المتعددة الجبهات حين تبنى خطاب التصعيد، لكنه تحول في زمن قياسي إلى حمامة سلام أو مبعوث سلام إلى شرق أوروبا ويدعو إلى إنهاء الحرب هناك.
ترامب يستهلك في كل مرة خطابه الشعبوي بنسخته الثانية في داخل البيت الأبيض، بين إظهار القوة الأميركية وصون نعومة وسائلها في تحقيق مصالحها وتوجهاتها الكبرى. لذلك وجد موقفه حيال أوكرانيا رواجاً مهماً في داخل الولايات المتحدة وخارجها.
طرد زيلنسكي من الحماية الأميركية:
خلال الاستماع إلى حديث ترامب عن "المقامرة" وخسارة الجنود في المعركة وغيرها من العبارات التي وجهها إلى زيلنسكي، أكد الرئيس الأميركي كلّ التوقعات حول انسحاب الولايات المتحدة من دعم أوكرانيا وإسنادها أمام روسيا، والذي استمر طوال أطوار الحرب في زمن حكم الرئيس السابق جو بايدن.
ترامب أطلق العنان لنفسه ولنائبه للتجاسر على كل الأعراف الديبلوماسية أمام رئيسٍ ضيف، لينهي اللقاء بطريقة لا تدل على الدخول في القطيعة التي قد تطول فحسب، وإنما على استنفاد أوكرانيا لأي شكل من أشكال الدعم الأميركي.
ابتزاز أوروبا من طريق إيقاف الدور الأميركي في الحرب:
يعلم الجميع أن مساندة الولايات المتحدة لإدارة الرئيس زيلنسكي هي التي مكّنته من الحفاظ على مكانه أمام الآلة الروسية التوسّعية.
التدخّل الأميركي لم يمنع السقوط السريع لأوكرانيا فحسب بل سمح للدول الأوروبية بأن تشعر بالاطمئنان على جبهة الشرق، وبالتالي اعتقادها بأهمية الحماية الأميركية التي يبدو أنه حان وقت دفع ثمنها.
لم تقدم الولايات المتحدة دعمها من دون مقابل على امتداد التاريخ، بل إنها كثيراً ما قايضت على السلام والحماية لتحقيق مصالحها وبسط نفوذها، وبالتالي أصبح أمن أوروبا أمام توسع روسيا نحو الغرب يستحق ثمناً يراه ترامب عادلاً لاستمراره.
وفي ما عدا ذلك، تجد الإدارة الأميركية الجديدة أن التقارب الأميركي - الروسي سيكون مربحاً أكثر، وفقاً لموازنات العرض والطلب و"ضرورات السوق" التي تفرض على ترامب إشعال حرب وإطفاء أخرى.
نبض