"... وكنتُ غريباً، فلَم تُؤوُني"

منبر 27-02-2025 | 12:52

"... وكنتُ غريباً، فلَم تُؤوُني"

. مَن هو الغريب؟يمكن اعتبار الشخص الذي ليس من القوم، ولا من البلد غريباً. هذا، وإنَّ البعيدَ عَنْ وَطَنِهِ يُعدُّ غريباً.والعجيب غير المأنوس واللَّامألوف هو غريب.كذا يُعتبَر غريباً صاحبَ الوجه غير المعروف منك.
"... وكنتُ غريباً، فلَم تُؤوُني"
يُقاسي الغريب، وتحديداً المُهاجِر، صُنوف العذابات النفسيّة (يكون منبوذاً ومقهور
Smaller Bigger

الاب ايلي قنبر

1. مَن هو الغريب؟
يمكن اعتبار الشخص الذي ليس من القوم، ولا من البلد غريباً. هذا، وإنَّ البعيدَ عَنْ وَطَنِهِ يُعدُّ غريباً.
والعجيب غير المأنوس واللَّامألوف هو غريب.كذا يُعتبَر غريباً صاحبَ الوجه غير المعروف منك.
أمّا الاغتراب الذّهنيّ فهو مرضٌ نفسيّ يحُول دون سلوك المريض سُلوكًا سَوِيًّا وكأنّه غريب عن مجتمعه، ولِذا يُلجأ إلى العُزلة عنه. ويُشبهُه في السلوك غير السَوِيّ مَن لا يُبالي بالصادقين وأنقياء القلوب وبكلّ مَن لا يمُتّ إليه بقُربى ما (مش من طايفتنا / ديننا؛ الأوباش البَلَا حضارة...) أو مَن لا يرى فيه ذاته.
يُقاسي الغريب، وتحديداً المُهاجِر، صُنوف العذابات النفسيّة (يكون منبوذاً ومقهوراً ؛ يتعرَّض للتمييز العُنصُريّ والجنسيّ ...) والجسديّة (يعمل لوقتِ أطوَل؛ يتعرَّض للضرب او للتجويع والعطش؛ يُحمِّلونه فوق طاقته؛ يتعرّض للاستغلال او الاعتداء الجنسيّ ...) والمادِّيَّة (يعمل"من تحت الطاولة"؛ مدخوله أقلّ من الحدّ الأدنى الرسميّ ...) حيثُما حَلّ. ولنا خير دليل ما يُعانيه المُهاجِرون غرباً، سواء إلى الولايات المتّحدة (حالة ترامپ) أو إلى غَرب أُوروپَّا من صُنوف الرفض والقهر والموت، وما تدفعه البلدان الوسيطة من العقوبات الاقتصاديّة والاجتماعيّة وخطر توطينهم فيها.
أمّا إذا كان غريباً في وطنه، فهذا أسوأ ما يبتلى به الإنسان، لأنّه يعيش مُستَلَبَ الحريّة -فكراً وقَولًا وعملًا- وعبداً للمُستبِدّ الداخليّ، العميل للمُستَعمِر الخارِجيّ.
2. "أعطِني هذا الغريب"
نحن نعلم أنّ يسوع يتَماهى دوماً مع "إخوته الأصاغر": "إِنَّكُم كُلَّما فَعَلتُم ذَلِكَ بِأَحَدِ إِخوَتي هَؤُلاءِ ٱلصِّغارِ، فَبـي فَعَلتُموه"( متّى 25: 31-46). كيف ومتى؟
2-1.منذ ولادته شابَه يسوع بعضاً من البشَر الذين يتعرّضون للقتل أطفالًا. مثالٌ على ذلك: أطفال الشوارع في البلدان الفقيرة الذين تُطاردهم الشرطة زاعمةً الحِفاظَ على وجه البلد الحضاريّ. أطفال فلسطين الذين يُقتَلون حتّى وهُم في بُطون أُمّهاتِهم -التي تُبقَر- كي لا يكبروا فيكونون "إرهابيِّين" بالمَنظور الإرهابيّ الصهيونيّ. الأمر الذي تُعبِّر عنه أنشودة "اعطني هذا الغريب" في نهاية رتبة جنّاز المسيح في الطقس البيزَنطيّ: "أعطني هذا لغريب، الذي منذ طفولته اغتربَ كغَريب". لم يُقبَل في أيّ منزلٍ أو نزلٍ، فلجأ إلى إسطبلٍ ليُولَد ويمضي فيه فترةً من الوقت كي تتعافى والدته. ثمّ هُجِّر إلى مِصر حتّى لا يقتله هيرودُوس لأنّه سمِع بولادة "ملِك اليَهود، فخاف على عرشه، وبحَث عنه ليقتله تخلُّصاً من غريمٍ وشيكٍ له. وتُضيف الترنيمة: "أعطني هذا الغريب، الذي أماته ابناء جِنسهِ كغَريب ... الذي غرّبه اليهود من العالم حسداً ". هذا الغريب "الذي أدهشُ لمشاهدتي إيّاه ضيفًا للموت". أماته أبناء جِنسه "حسَدًا" قبل الفَي سنة ، ويُميتونه كلّ يوم وفي كلّ لحظة "كَغريبٍ" في لبنان وفلسطين وأفريقيَا وأميركا الجنوبيّة وغيرها، بِقَتلِهم أخواته وإخوته "الأصاغر" أو تعذيبهم بكلّ الطرُق التي لا تخطُر على بال بشَر، وتَنقلها شاشات التلفزة ووسائط الإعلام الإلكتروني (السوشِل ميديَا).
2-2. وحين جال يسوع بين بنات وبني قَومه مُبشِّراً بالحُرِّيَّة وبالفِصخ نحو "الحياة بوَفةٍ للجميع"، داعياً إيّاهُم إلى نبذ العبوديّة من أنّى أتَت لأنّهم بنات وأبناء الآب، والعمَل يدًا بيَد مع "أبي وأبيكم" الذي "يعمل أيضاً وأنا أعمل" لـ"يأتي ملكوته كما في السماء كذلك على الأرض"، ملكوت الحُبّ والرحمة. مُناداتُه هذه وعملُه مع الآب "لأجلنا، ولأجل خلاصنا"، جعلتهُ واللّواتي والذين رافقوه وعملوا معه يدفع الفاتورة دَماً زكيّاً "يُهراقُ عنكم، وعن كثيرين لمغفرة الخطايا" التي يرتكبها الظالم المُجرِم. لقد تحيَّنت السلُطات الدِّينيّةُ والسياسيّةُ اليَهوديّة الفُرَص مُتربِّصةً للإطاحة به وبمشروعه الحُبَّويّ الخلاصيّ المُحرِّر من الشرور على أنواعها. ولم تفلح لأنّ الحُبَّ اقوى من الموت، الموتِ ظُلماً وزُوراً ودَمَويّةً:"الذي بما أنّه غريب ليس له موضعٌ يُسنِد إليه راسه. (...) هذا الغريب الذي أَدهَشُ لمُشاهدَتي إيّاه ضَيفًا لِلموت. الذي يَعرف أن يَقري الفقراء والغرباء". و"الذي لمّا رأتهُ أُمّهُ ميتاً صرخَت: يا ابني وإلهي، وإن كانت جوانحي تتجرّح، وكَبِدي تتمزّق عندما أراكَ ميتًا، فإنّي واثقةٌ بقِيامتك، فأعظِّمُك. فبهذه الأقوال يوسفُ التقيُّ ابتهلَ إلى بيلاطس، فأخَذ جسَد المخلِّص، وبخَوفٍ لفَّه بكَفنٍ وحَنوط، ووضَعه في قبرٍ"، في لَحْدٍ لم يسَعْهُ لأنّه "هو المانحُ الكُلَّ الحياةَ الأبديّةَ وعظيمَ الرحمَة".
3. يسوع يتَماهى مع الغُرباء حين يُعلِن:"... وكنتُ غريباً، فلَم تُؤوُوني". كيف ذلك؟
بالعَودة إلى المُعجَم، نفهم تمامًا كيف أنّ يسوع، حين ولادته، لم يجد مأوى سوَى الإسطبل لأنّه لم يُوفّقٌ ببيتٍ أو نزْلٍ يؤويه إذ لم يرِقّ له أحد ويرحمه. وفي أثناء تجواله، سأله أحدُهم: "يا معلِّم، اين تُقيم؟"، فاجاب: "... اين الإنسان ليس له موضعٌ يُسنِد إليه رأسه"(متّى 8: 20).
المطران غريغوار حدّاد أوى الفئات المُستَضعفَة إذ عمل من خلال "الحركة الاجتماعيّة" والمانحين على توفير بُنى تحتيّة تحميها فتأمَن السكن في المحلَّة التي تقطنها. البابا فرنسيس آوى، بإصرارٍ، مُهاجِرين ضمن أسوار دولة الڤاتيكان. فهل تعتبر السلُطات الدينيّة والرهبانيّة عندنا واليمين المتطرِّف  عبر العالم؟

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/8/2025 7:17:00 PM
ما هو الذهب الصافي الصلب الصيني، ولماذا هو منافس قوي للذهب التقليدي، وكيف سيغير مستقبل صناعة المجوهرات عالمياً، وأهم مزاياه، وبماذا ينصح الخبراء المشترين؟
النهار تتحقق 10/8/2025 9:20:00 AM
إعلان مفرح من محمد شاكر خلال الساعات الماضية. "صدر حكم ببراءة والدي، فضل شاكر"، وفقاً للمتناقل. فيديو تكشف "النّهار" حقيقته.  
سياسة 10/8/2025 1:16:00 AM
تمام بليق يوضح حقيقة ما جرى مع الشيخ حسن مرعب في صيدا