حملت همومي وأنا في بطن أمي

منبر 27-02-2025 | 09:52

حملت همومي وأنا في بطن أمي

في البدء كانت صرخةلم أخرج إلى هذا العالم خفيفاً، بل جئت مثقلاً بهموم أزلية لم تكن وليدة لحظتي الأولى. شعرتُ بوطأتها وأنا بعدُ في ظلمة الرحم، حيث تُملى عليّ شروط الحياة قبل أن أراها، وأُدفع نحو مصير مجهول لم أستشر فيه. كانت دقات قلب أمي إيقاعاً لأولى همومي.
حملت همومي وأنا في بطن أمي
في البدء كانت صرخة
Smaller Bigger

العربي الحميدي  - المغرب

 

في البدء كانت صرخة
لم أخرج إلى هذا العالم خفيفاً، بل جئت مثقلاً بهموم أزلية لم تكن وليدة لحظتي الأولى. شعرتُ بوطأتها وأنا بعدُ في ظلمة الرحم، حيث تُملى عليّ شروط الحياة قبل أن أراها، وأُدفع نحو مصير مجهول لم أستشر فيه. كانت دقات قلب أمي إيقاعاً لأولى همومي.
هناك، في عالم الصمت الدافئ، كان الزمن يتهيأ للانفجار في وجهي، حاملاً معه أسئلة بلا إجابات. من أنا؟ لماذا أُوجد؟ وما الذي ينتظرني في عالم خارج هذا الأمان الموقت؟ كنت أعرف أنني لن أبقى في ذلك الملجأ الحميم، وأن الحياة تنتظرني، بكل تناقضاتها، وقلقها المستمر، وألمها الذي لا ينقطع.
خرجتُ من بطن أمي أحمل هموماً لم أخترها، كأن الحياة كانت في انتظاري بعبء ثقيل. لم يكن صراخي الأول سوى إعلان وجودي في عالم لا يُمنح فيه شيء من دون مقابل، عالم يطلب مني أن أكون، أن أتحمل، وأن أواجه.
أدركتُ مع الوقت أن هذه الهموم ليست شيئاً غريباً عني، بل هي جزء من كياني. وُجدتُ لأكون حراً، والحرية كما علّمتني الحياة ليست هبة سهلة، بل مسؤولية. أنا مسؤول عن ذاتي، عن أفعالي، وعن كل ما أختار أن أكونه، حتى وإن لم أختر أن أوجد في هذا الكون.
أتساءل أحياناً. هل كنتُ يوماً خفيفاً، خالياً من هذا الحمل؟ ربما في تلك اللحظة الأولى قبل أن أعي وجودي، قبل أن تضع الحياة شروطها عليّ. لكن سرعان ما أدركتُ أن الحياة بلا هموم ليست حياة أصلاً، بل فراغ لا طائل منه.
أعاني، وأتألم، وأتساءل... لكني في الوقت ذاته أبحث عن المعنى. ربما كانت هذه الهموم التي خرجت بها من رحم أمي هي ما يدفعني اليوم نحو التفكير، نحو التعمق في ذاتي، ونحو محاولة فهم هذا الوجود المتشابك.
أحمل همومي كما يحمل الليل أسرار الظلمة، لا أستطيع التخلص منها، ولا أجرؤ على تجاهلها. إنها امتداد لي، وجعي الذي يذكرني بأنني موجود. أحياناً أرى في هذه الهموم وعداً بالخلاص، بأن ما أعيشه ليس عبثاً، بل مسار نحو معنى لم يتكشف بعد.
فأنا أحمل همومي لأنني موجود، ولأن الوجود في ذاته تحدٍّ دائم. ليست الحياة مجرد عبء ثقيل، بل رحلة بحث مستمرة، حيث يتحول الألم إلى دافع، والقلق إلى سؤال، والمعاناة إلى فرصة للوعي والنضج. ربما كنتُ محكوماً بالهم منذ ولادتي، لكنني أيضاً محكوم بالأمل في أن أخلق من هذا العبء معنى يجعلني أستمر.
أوراق لم تتم دراستها بعد
أقرأ وكأني لم أقرأ،
أفكر وكأني فاقد التفكير،
في زنزانة انفرادية فكري،
زنزانة تطوف حولها الدبابير.
ظلّي وأنا... أم أنا وظلّي؟
أخطو... وظلّي يسبقني،
كأنما يعرف الطريق قبلي،
أم أنني أتعثّر في ممرّات طرق الزمان؟
أفكر... والظنون تعصف بي،
أسئلة تنبت مرايا جامحة منكسرة،
هل أنا من يصنع السؤال لمعرفة المعنى،
أم أنني ضحيةُ مرايا التأويل؟
أتأمّل وجه الحقيقة في مرآة الصمت،
ألمس الحدود... فتذوب،
هل هي الحقيقة أم وهم يتقن دوره اللَّعِين؟
هل أنا في داخلي،
أم خارجي،
أم أنني صورة عابرة في عين الزمان؟
الأفكار تتعثر في دوائر متشابكة،
أهرب... فتسبقني،
هل أفرّ من قدري،
أم من ظلّي الذي لا أعرفه ويعرفني؟
أخطو... وكأنني لا أخطو..!
هل الظلّ يخطو بي،
أم أنا الذي يتوارى عمداً؟
ظلّي...
لا يزال يسبقني.
أهرولُ...
وَظلِّي...
لا يزالُ يسبقني.
يا ظِلَّ نفسي،
أَمِنْكَ الهربُ؟
أم أنتَ أنا،
وأنا الغريبُ عني؟
خطايَ تُثقلُها الذكرياتُ،
وجرحي سيلُ عينٍ
لا ينتهي...
كلما أوشكتُ على الوصولِ،
انفتحتْ فوهةٌ
تُدعى الماضي.
أهرولُ...
وأنفاسي أغنيةٌ مشروخة،
أحملُ في صدري قُبورَ الأحلامِ القديمة،
ومفاتيحَ أبوابِ القلبِ الفاني.
أهربُ من لونِ أسماءِ النَّزْوى،
من عطرٍ يطاردني بين أزقةِ الألوان،
من ضحكةٍ باكيةٍ
أصبحتْ طعنةً دون وعي.
أهرولُ...
وَظلِّي...
لا يزالُ يسبقني.
كأنَّه يعرفُ مآلي،
كأنَّه رأى النهايةَ،
وأنا... على صفيحةٍ من نار.
ما زلتُ أركضُ نحو نفسي،
أعانقُ الفراغَ،
وأصنعُ من الهروبِ جسراً
لا يخطو عليه سواي.
أهرولُ...
وظِلِّي...
لا يزالُ يفر مني.
أيكونُ الظلُّ جوهرًا؟
أم محضَ صدىً
لتوهُّمِ كينونتي؟
أخطايَ معادلةٌ خاسرة،
تُثقِلها احتمالاتُ الوجودِ،
وأوهامُ الغاياتِ.
كلما ظننتُ أني أقتربُ من ذاتي،
تتراجعُ المسافاتُ...
والأفقُ يُبدِّلُ وجهَه الفاني.
أهربُ...
لا من زمنٍ فات،
بل من يقينٍ هشٍّ
يتآكلُ تحتَ ضوءِ السؤال.
من أنا؟
أهذا الجسدُ الذي يسيرُ؟
أم الفكرُ الذي يثورُ؟
أم الحُلمُ الذي يتعثّرُ
في متاهةِ المصير؟
أهرولُ...
وأنفاسي فلسفةٌ
لا تجدُ يقيناً تُقيمُ فيه،
أحملُ في قلبي أطلالَ أفكارٍ
تهاوت تحتَ وطأةِ الزمنِ الصامت.
أهربُ...
من قيدِ الهُويَّةِ الجاهزة،
من ملامحٍ صنعتْها عيونُ الآخرين،
من "أنا" ليستْ "أنا"،
ومن "أنتَ" الذي قد يكونُني
في عالمٍ يتبادلُ الأدوارَ
ويُضيّعُ المعاني.
أهرولُ...
وظلِّي...
لا يزالُ يسبقني.
كأنَّه الحقيقةُ المطلقة،
التي تنأى عنّي كلما اقتربتُ،
تغيبُ وراءَ الأفقِ،
وتدعوني...
لأركضَ نحو المجهول،
حيث لا خلاصَ...
إلا في استمرارِ السؤال.

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 10/8/2025 3:44:00 AM
أقدم شقيق النائب الأردني السابق قصي الدميسي على إطلاق النار من سلاح رشاش تجاه شقيقه عبد الكريم داخل مكتبه، ما أدى إلى وفاته على الفور.
اقتصاد وأعمال 10/7/2025 5:24:00 AM
سترتفع كلفة تسديد مفاعيل التعميمين من نحو 208 إلى 260 مليون دولار شهريا، بزيادة نحو 52 مليون دولار شهريا
لبنان 10/6/2025 11:37:00 PM
افادت معلومات أن الإشكال بدأ على خلفية تتعلق بـ "نزيل في فندق قيد الإنشاء تحت السن القانوني في المنطقة".
لبنان 10/7/2025 1:21:00 PM
 النائب رازي الحاج: ابتزاز علني لأهل المتن وكسروان وبيروت