خيانة الروح: حين يتحوّل الحب إلى رماد

منبر 12-02-2025 | 14:41

خيانة الروح: حين يتحوّل الحب إلى رماد

ما أقسى أن يتحوّل الدفء إلى برود، وأن يصبح البيت الذي كان ملاذًا مجرد جدران بلا روح. كيف ينسى البعض جمال الماضي؟ كيف يطفئ المال وهج العهود، ويطمس الغرور ذاكرة الأيام التي جمعتنا؟
خيانة الروح: حين يتحوّل الحب إلى رماد
ما أقسى أن يتحوّل الدفء إلى برود، وأن يصبح البيت الذي كان ملاذًا مجرد جدران بلا روح. كيف ينسى البعض جمال الماضي؟
Smaller Bigger

فرانسيسكا موسى

 

ما أقسى أن يتحوّل الدفء إلى برود، وأن يصبح البيت الذي كان ملاذًا مجرد جدران بلا روح. كيف ينسى البعض جمال الماضي؟ كيف يطفئ المال وهج العهود، ويطمس الغرور ذاكرة الأيام التي جمعتنا؟ أين الوجوه التي كانت تشرق بالحب؟ أين الكلمات التي كانت تشفي الجراح؟ كيف تتبدّل القلوب بهذه القسوة، ويتحوّل الحنين إلى رماد؟ إنها خيانة الروح أن ينسى الإنسان أصله، أن يسمح لبريق الدنيا أن يعميه عن الجذور التي احتضنته. لكن الزمن، مهما غيّر الوجوه وزيّف المشاعر، لا يستطيع أن يقتل ما زُرع في القلب يومًا. فالأصل لا يُمحى، والعهود الحقيقية لا تُشترى، والإنسان، مهما ضلّ طريقه، سيعود يومًا إلى حيث بدأ، إلى حيث لم يكن للزيف سلطة، ولم يكن للغرور ثمن. في كلمات وسطور، نغوص في وجع الخذلان، في مرارة أن ترى الأحبة يتغيرون وكأن ما كان لم يكن. فهل يغلب الطبعُ التطبّع؟ أم أن بعض القلوب، حين تغريها الدنيا، لا تعود أبدًا؟
في لحظة من الزمن، تتكشف الحقيقة القاسية أن الأماكن التي كانت تمثل لنا الأمان قد تحولت إلى صحراء جرداء لا تحمل سوى بقايا الذكريات. هناك حيث كان الدفء يملأ المكان، تصبح الجدران باردة، صامتة، تفتقر إلى الروح التي كانت تسكنها. كيف للقلب أن يتحمل هذا التحول؟ كيف للعين أن تظل صامدة أمام الوجوه التي طالما أضاءت حياتنا بالحب والاهتمام، وقد أصبحت اليوم مجرد ذكريات باهتة لا تثير سوى الألم؟ كيف يمكن أن تتحول الكلمات التي كانت تشفي الجراح إلى خيوط من الخذلان؟ إن الألم لا يكمن فقط في الفقد، بل في الخيانة التي تنبع من القلوب التي كانت في يومٍ ما شريكة في الرحلة. تلك القلوب التي أخذت منا كل شيء، ثم سلبتنا كل شيء. تصبح الوعود التي كانت تبدو خالدة مجرد سطور من الماضي، تلاشى بريقها تحت وطأة الزمان. وما يعذب الروح أكثر من هذا هو الإدراك الحزين أن ما ظنناه ثابتًا وأبديًا قد انهار، وأن كل ما كان يعنينا قد تبخر. ولكن في هذه اللحظات، حين تتبدل كل الأمور، يبقى شيء واحد لا يمكن للزمن أن يغيره: الحقيقة التي سكنت في أعماقنا. مهما حاولنا أن نتنكر لماضينا، فإن جذورنا لا تموت. إن الإنسان الذي يظن أن المال أو الكبرياء يمكن أن يعيد الحياة لمشاعرَ دُفنت، هو في الواقع يدفن نفسه في بئرٍ عميق من الزيف. أما الحقيقة الوحيدة التي لا تزول فهي أن القلب الذي عرف الحب الحقيقي لن ينسى ما كان. رغم أن الزمن قد يسرق منا وجوهنا، إلا أنه لا يستطيع أن يسرق ما تبقى فينا من جوهر، من حقيقة أننا يومًا ما كنا نعيش بشغف، بصدق، وبحقيقة لا تقبل التشويه. ورغم ما قد يظنه البعض من أن الحياة الزائفة يمكن أن تكون بديلاً، إلا أن العودة إلى الأصل، إلى ما كان حقيقيًا في القلب، ستظل دائمًا هي الطريق الأكثر سلامًا.
ما يمكن أن يخفف من وقع الخذلان هو أن نعي تمامًا أن المواقف هي التي تكشف الحقيقة. لن يخفي الزمن ما في القلوب، ولن يستطيع أحد أن يغير ما زرعناه في أعماقنا. ناس من لحمك ودمك باعوك، لا تلوم من عرفك ثم غاب، كانوا قريبين، واليوم أصبحوا صدى. باعوك بالألم، وباعوك بالخيبة، ولكن القلب لا يتحمل اللوم. المواقف هي التي تقول الحقيقة، فلا تغمض عينيك عما تراه، فالحقيقة في النهاية لا تموت، مهما تلاشى كل شيء آخر.

العلامات الدالة

مواضيع ذات صلة

10/17/2025 9:08:00 AM
9/25/2025 10:49:00 AM

الأكثر قراءة

المشرق-العربي 11/2/2025 7:34:00 PM
أفادت شبكة "سي أن أن" الأميركية، استناداً إلى مصادر استخباراتية أوروبية، بأن هناك دلائل إضافية على جهود الجمهورية الإسلامية لإعادة تأهيل قدرات وكلائها، وعلى رأسهم "حزب الله"
كتاب النهار 11/3/2025 5:40:00 AM
يكفي الفلسطينيين إساءة الى لبنان الذي حضنهم، وإساءة الى اللبنانيين على مختالف فئاتهم ومكوناتهم
ثقافة 11/1/2025 8:45:00 PM
بصمة لبنانية في مصر تمثّلت بتصميم طارق عتريسي للهوية البصرية للمتحف المصري الكبير.
ثقافة 11/2/2025 10:46:00 AM
"والدي هو السبب في اكتشاف المقبرة، وكان عمره وقتها 12 عاماً فقط سنة 1922."