لبنان: الوطن اليتيم!

نشأتُ في عائلة "فلاح مكفي، سلطان مخفي"، وعايشت المرحوم الوالد في حياته العملية منذ طفولتي، وإلى حين تخرجي من ثانوية خاصة، أسستها بعثة دينية مسيحية في بلدة متنية شهيرة. كانت هذه المدرسة قبلة حكام وأثرياء العرب، من المحيط إلى الخليج، لتعليم أبنائهم الذين تربوا على "ملاعق الذهب"، لكن بقيت في نفوسهم مشاعر المحبة والصداقة، لزملاء الدراسة، الذين جاهد أهاليهم وثابروا على تدريسهم في أرقى المعاهد التربوية الإقليمية.
كانت المسافة ببن منزلنا والمدرسة نحو ستة كيلومترات، كنا نقطعها سيراً على الأقدام يومياً، ذهاباً وإياباً، ودون تعطيل أو تغيب، مهما كانت الأحوال الجوية، حتى إننا - أنا وشقيقي - كنا نحضر إلى الصف قبل وصول طلاب القسم الداخلي إليه، القاطنين في المبنى المقابل لمبنى صفوف الدراسة.
شاهدنا وعاينّا واختبرنا كيفية قيام المرحوم الوالد في رعاية الأشجار المثمرة، والحد من عشوائية نمو أغصانها، وحراثة الأرض الخصبة، وكيفية حمايتها من الأمراض والأوبئة الطبيعية.
كانت جنائن ومواسم المرحوم نسيب عطاالله، مثالاً على الانتظام الإنمائي، وحديث الجميع عن مواسم الطبيعة الخيرة، وعن جودتها، ونوعيتها الفاخرة.
كانت الأرض الشغل الشاغل للمرحوم الوالد، طوال فترة إتمامنا مرحلة التعليم الثانوية، حتى إنه كان غائباً عن حضور حفلة تخرجنا، لكثرة مشاغله في رعاية الأرض، والعمل على ديمومة عطاءاتها من أجل توفير ضرورات العيش الكريم، والتعليم النوعي لعائلته.
دخلت حقل العمل في القطاع العام، في سن مبكرة، الأمر الذي كان بالنسبة لي صراعاً مستداماً، طال عقوداً عديدة، كانت صعبة المراس والقسوة، وكثيرة الخلافات والنزاعات مع الرؤساء المسؤولين، الفاسدين، الطامحين إلى الثورة على أشلاء المراجعين المستفيدين المساكين؛ رؤساء مسنودين، ومدعومين، ومصانين، ومحميين، مذهبياً، وطائفياً، وزعماتياً، وحزبياً.
لم أتوانَ، حتى في أقسى وأصعب الظروف الأمنية عن مواجهة كل من هو فاسد، وما هو خطأ خدماتي نفعي وكريه؛ حيث واكبتني طوال فترة عملي "متلازمة منع تمدد أغصان الأشجار عشوائياً"، التي حالت دون تنفيذها تبعية الوظيفة والموظفين في القطاع العام، للمحسوبيات المناطقية والمذهبية والحزبية.
هل سوف يواجه "أهل البركة الجدد"، عمال وموظفو القطاع العام الجدد، ذات الكوابيس التي واجهتها طوال عملي المضني، بعد ومع حلول وانطلاقة العهد الجديد، مع الرئيس جوزف عون، ودولة الرئيس نواف سلام، الواعدين بعهد ذهبي جديد للبنان؟
أكتفي بالسؤال اليتيم، عسى يتبنى هذا "الوطن اليتيم"، عائلة عادلة، وفية، وحريصة، وصالحة!
سعد نسيب عطاالله