منبر 17-01-2025 | 11:15

لمَ لا تغنِي جوليا خطابَ الرئيس؟

لم أكن قد تجاوزتُ الخامسةَ عشرةَ من عمري حينَ تعرَّفتُ على ساحةِ الشُّهداءِ وساحةِ الحريَّةِ في 14 آذارَ 2005. لم أكن أُدرِكُ حينَها حجمَ رفيقِ الحريريِّ، وما تعنيهِ رسائلُ اغتيالِ شخصيَّةٍ بهذا الثقلِ ومشروعٍ بهذا الحجم. تعرَّفتُ على الشارعِ، على الهتافاتِ والصَّرخاتِ، على الأملِ والحريَّةِ، ولم تُفارِقْنِي منذُ ذلكَ الحينِ أغنيةُ جوليا:" نحنا الثورةُ والغضب، نحنا أمل الأجيال". 
لمَ لا تغنِي جوليا خطابَ الرئيس؟
لم أكن قد تجاوزتُ الخامسةَ عشرةَ من عمري حينَ تعرَّفتُ على ساحةِ الشُّهداءِ وساحةِ الحريَّةِ في 14 آذارَ 2005
Smaller Bigger

أدهم ريدان

 

 

لم أكن قد تجاوزتُ الخامسةَ عشرةَ من عمري حينَ تعرَّفتُ على ساحةِ الشُّهداءِ وساحةِ الحريَّةِ في 14 آذارَ 2005. لم أكن أُدرِكُ حينَها حجمَ رفيقِ الحريريِّ، وما تعنيهِ رسائلُ اغتيالِ شخصيَّةٍ بهذا الثقلِ ومشروعٍ بهذا الحجم. تعرَّفتُ على الشارعِ، على الهتافاتِ والصَّرخاتِ، على الأملِ والحريَّةِ، ولم تُفارِقْنِي منذُ ذلكَ الحينِ أغنيةُ جوليا:" نحنا الثورةُ والغضب، نحنا أمل الأجيال". 
توالى بعدها الهروبُ من المدرسةِ في الرابعَ عشرَ من شباطَ خلالَ السنواتِ الثلاثِ التي أعقبتِ الاغتيالَ. كنتُ أعودُ إلى الساحةِ بنفسِ الغضبِ، ونفسِ الأملِ، ونفسِ الطُّموحِ بمستقبلٍ مُشرِقٍ يُشبهُنا، يُشبهُ إرادتَنا، ويُشبهُ أحلامَنا.
ولكنْ معَ زيادةِ الوعيِ السياسيِّ، سنةً بعدَ سنةٍ، أدركنا أنَّ هذا الحُلمَ الجميلَ لن يُبصرَ النورَ قريبًا. لم تعُدْ هناكَ حاجةٌ لكلِّ هذا العناءِ والعذابِ بعدما خسرنا جبرانَ وسميرَ وشطحَ ووليدَ وبيارَ و... و... و... فما كانَ مني إلا أنْ بدَّلتُ رسالتِي السياسيَّةَ برسالةٍ إنسانيَّةٍ، فتطوَّعتُ في الصليبِ الأحمرِ اللبنانيِّ لمُدَّةٍ لا تقلُّ عن عشرِ سنواتٍ. ولكنَّني اكتشفتُ لاحقًا أنَّ الرسالةَ الإنسانيَّةَ والسياسيَّةَ هيَ هيَ، رسالةٌ واحدةٌ لا تتغيَّرُ.
في عامِ 2015، عادت صيحاتُ جوليا إلى الذاكرةِ بعدما حاصرتْنا القُمامةُ، ولمْ تَجِدِ السُّلطةُ حينَها في مساحةِ الـ 10452 كيلومترًا مُربعًا مكانًا تطمرُ فيهِ تلكَ القُمامةَ أو تستفيدُ منها بأيِّ شكلٍ من الأشكالِ، فما كانَ مِنَّا إلا أنْ نعودَ بنفسِ الأملِ والحُلُمِ ببلدٍ يُشبهُنا. رَفَضْنا المغادرةَ ورَفَضْنا بقاءَ الحالةِ كما هيَ. تجرَّأنا أنْ نحلمَ مجددًا، ولمْ ولنْ نندمَ.
بعدَ إحباطِنا في عامِ 2015، عدنا معَ جوليا، معَ ثورتِنا وغضبِنا وأملِنا، وأملِ الأجيالِ الجديدةِ التي لم تعرفْ 14 آذارَ 2005. عدنا في 17 تشرينَ 2019، وحناجرُنا تصرخُ بأعلى صوتٍ سنستعيدُ حقَّنا والنصرُ قريبٌ، وسنبني البلدَ الذي لطالما حَلِمْنا بهِ. لمْ نُغادِرِ الساحةَ حتى عندما دُمّرَت العاصمةُ وتلاشَتْ أرواحُنا معَ انفجارِ آبَ 2020، الذي هزَّ قلوبَنا وعرشَهم على السواءِ. كنّا هناكَ معَ صوتِ جوليا يقولُ "من هون من عنا انكتب، تاريخ الأبطال" ".
لم نجدْ حينها بطلًا واحدًا يُنقذُنا، بلْ كنا مجموعةَ أبطالٍ. ومعَ ذلكَ، أحببنا الوطنَ كما أحببناهُ سابقًا وكما سنحبُّهُ دائمًا، ولكنْ بوعيٍ سياسيٍّ أكثرَ نُضجًا. صِرْنا وسِرْنا واثقينَ أنَّ نصرَنا على هذهِ السُّلطةِ باتَ قريبًا، وقريبًا جدًّا.
في التاسعِ من كانونَ الثانيِّ 2025، أُلقيَ خطابٌ في مجلسِ النُّوابِ، خطاب لم تعرفْ حيطانُ هذا المجلسِ شبيهًا لهُ منذُ أنْ تأسسَ. خطابٌ يُطربُ الآذانَ مثلَ صوتِ جوليا، خطابٌ يبعثُ الأملَ مثلَ أغاني جوليا، خطابُ رئيسٍ يُخاطبُ وطنَهُ وأبناءَهُ كما خاطبتْ جوليا أرواحَنا.
فلمَ لا تُغني جوليا خطابَ الرئيس؟ ومثلما أبدعتْ في أغانيها للخطاباتِ سابقًا، لمَ لا، لمَ لا..
لمَ لا تُغني جوليا... خطابَ الرئيس؟

العلامات الدالة

الأكثر قراءة

شمال إفريقيا 10/6/2025 7:23:00 AM
فرض طوق أمني بالمنطقة ونقل الجثتين إلى المشرحة.
النهار تتحقق 10/6/2025 11:04:00 AM
ابتسامات عريضة أضاءت القسمات. فيديو للشيخ أحمد الأسير والمغني فضل شاكر انتشر في وسائل التواصل خلال الساعات الماضية، وتقصّت "النّهار" صحّته. 
لبنان 10/6/2025 9:32:00 AM
طقس الأيام المقبلة في لبنان