لماذا حكومة انتقاليّة لتفادي التفشيل الحتمي لخطاب القسم؟

 الدكتور سمير حسن عاكوم

انتخب المجلس النيابي بعد سنوات التعطيل المعتادة رئيساً جديداً للجمهوريّة اللبنانيّة، وفرح اللبنانيون بمضمون الخطاب الرائع لفخامة الرئيس العماد جوزف عون، الذي يلاقي آمالهم من إقرار قانون السلطة القضائيّة، إعادة هيكلة الإدارة العامة وتطويرها، تفعيل عمل الأجهزة الأمنيّة واحتكار حمل السلاح، علاقات خارجية متوازنة ونديّة، قانون انتخابات، اقتصاد حر، حماية الشعب وإعادة الإعمار... إلخ، للوصول إلى دولة حقيقيّة سياديّة مزدهرة تضمن مستقبلاً واعداً لأبنائنا. ولكن هل يستطيع الرئيس المنتخب تحقيق ما تضمنه الخطاب من وعود براقة؟
بداية، لا بد لنا من أن نعترف بأننا في نظام برلمانيّ لا رئاسي؛ وهذا النظام أخذ شكل قوى أمر واقع ومحاصصة أعضاء الاتفاق الثلاثي لميليشات السلاح والمال المتجذرة منذ الثمانينات. وتطور هذا الفيروس وتكيّف مع كل المراحل السابقة ونجح بتطويعها وابتلاعها!
 نعم، لهذا النظام ما يكفي من القوة ليجدد نفسه وبقوة في ظل غياب، إن لم نقل اندثار كل معالم برنامج مؤسسات الدولة الدستوريّة الديمقراطيّة التي أقرها الطائف. بالتالي، فإن المرور بالتغيير المنشود عبر سياق استشارات المجلس القائم ونمط عمله ومحاصصاته واحتكاراته سيوصل حتمًا إلى إعادة إنتاج من هو قادر على تفشيل خطاب القسم كما أفشل خطابات مَن سبقه، وسيفتح الباب للرئيس العتيد للانضمام إلى واقعية عمل هذه السلطة وتجاذبات مصالحها وارتباطاتها الخاصة بالتعطيل والتلاعب الطائفي وغيره. وسيجد فخامة الرئيس نفسه مقيد اليدين في ظل هيمنة كاملة للدولة العميقة لأقطاب هذه السلطة، وسيصبح الخطاب الرئاسي وآمال شعبنا في مهب الريح، باعتبارها أفكاراً غير واقعيّة، ولا يمكن تطبيقها، في توازنات وتجاذبات طائفيّتهم المزعومة القائمة!
 فكيف السبيل للانتقال من نظام "فيروس محاصصة الاتفاق الثلاثي" إلى "برنامج عمل دولة النظام المؤسساتي الديمقراطي الدستوري" وفق قواعد الطائف، ثم وضع هذا البرنامج موضع التنفيذ؟
نقطة الانطلاق هي "حكومة انتقاليّة مع صلاحيات تشريعية" لإقرار بنود تطبيق الدستور وفق قواعد ميثاقيّة مقدّمته، وقد أوضحها بالتفصيل الرئيس الحسيني قي خطاب استقالته عام 2008، انطلاقًا من قانون استقلاليّة السلطة القضائية الموجود في أدراج رئيس المجلس منذ العام 1997، إلى قانون اللامركزيّة الإداريّة بعد تقسيم لبنان إلى 12 محافظة متوازية ومتوازنة، إقرار قانون مجلس شيوخ يتم انتخابه على مستوى لبنان دائرة واحدة، يضمن حقوق ومستقبل الطوائف، مجلس نيابيّ يتمّ انتخابه على مستوى المحافظات الجديدة، هيئة مستقلّة للانتخابات، قوانين مجالس الأقضية، بناء وتطوير كلّ إدارات الدولة... لتكون هذه الخطوات الجديّة والدؤوبة الممهّد الحقيقي للانتقال إلى برنامج دولة مؤسّسات دستور الطائف في الانتخابات النيابية المنتظرة في عام 2026. ويقوم فخامة الرئيس باعتباره المؤتمن على حكم الدستور، ومن واجبه إلزام الجميع بالتقيّد به، بحفظ التوازن المطلوب ما بين المجلس النيابي القائم وعمل الحكومة الانتقاليّة لتحقيق نظام المؤسسات الدستوريّة ورعاية هذا المخاض الصعب، إلى حين الوصول إلى ولادة نظام لبنان الرسالة كدولة حقيقيّة على مقاييس آمال وطموح شعبه. غير ذلك تضييع للطاقات والوقت، وتراجع واندثار أمام التغيّرات الهائلة والتهديدات المصيرية التي تعصف بمنطقتنا، وبالتالي تفشيل خطاب القسم مهما كانت إيجابيات محتواه والنوايا السليمة لصاحبه.
حمى الله بلدنا وشعبنا وحقق آمال كل المخلصين