العنف والعنفوان

سامي ابي خليل
كنت أصطحب معي قاموساً صغيراً عندما غادرت لبنان لكي أحتفظ بداخلي بتذكير لغوي عند الحاجة، وها أنا بعد نصف قرن من ترك لغتي الأم، أتساءل عن معنى كلمة "عنفوان". هذه الكلمة التي لم يذكرها قاموسي المصغر والتي يتناساها البعض ببلدي والبعض الآخر يدمجها لتتغازل مع العنف.
العنفوان يمثل بالنسبة لي نوعاً من العنف الهادئ، أو اللغوي دون أي تداعيات، عند العقَال والشيوخ مع فخر وعز بالماضي والحاضر، مع الحفاظ على هيبة الكلمة والمبادئ، أو عند الشباب كعنفوان زهرة في طليعتها تتعرف على الفجر والليل والفخر والعز وتبغي الشموخ حتى الشمس الذي يعنّفها بنوره وحرارته دون أن تؤذي أحداً من جهتها.
أما العنف فهو اليوم ألم وظلم، عداء واعتداء، اغتصاب وانتهاك، خراب وتخريب، ضوضاء وإزعاجات، تعطيل واضطرابات، فوضى وتهجير، خطف وحرمان، دمار وفرار، عذاب وتعذيب، صراخ وعواء. إنه الخرق بالأمر، وسلوكه يحدث تدميراً بالأشخاص والممتلكات وأعنف الشيء أخذه بشدة. لا نتجاهل العنف تجاه المعوّقين جسدياً وعقلياً. واللوم وسوء المعاملة هما تعنيف. والصراخ والغضب ليسا بعيدين عن العنف الذي ينتهي بالجريمة مراراً وبالقتل أحياناً.
ثمة تعريفات أخرى للعنف يختزلها للقوة والحرب الدائمة.
فلا أرغب في الميل لأي عنف، إن كان هذا العنف صوتياً، جسدياً أم نفسياً أم ضد الطبيعة.
هذا العنف سواء كان سببه ألماً فردياً أو جماعياً، فإن طريقة التعبير عنه ستتخذ أشكالًا تؤدي إلى التقوقع اللاشعوري الصامت على النفس، أو إلى قول أو فعل غير مرغوب وضد اللين والرأفة أو شهوة سيئة التنظيم أو غامضة الهدف أو غير مهذبة. هذا ما يتم تجربته أحياناً من خلال العنف الجسدي المتدفق الذي يحدث بين فرد أو مجموعة ضد فرد أو مجموعة مع أو بدون انتقام خاص، والهدف هو للتجريح وإساءة المعاملة ليتحول أحياناً إلى نوع من العبودية الكريهة التي تتفاقم إن لم تُقاوم.
هذا ما يحدث في المجتمع أو داخل الأسرة إن لم نعالج الأمر، وإذا لم نقرر بذكاء وحكمة وتروٍّ وهدوء أن نوضح الطريق نحو موقف أكثر هدوءاً وتعليماً. هذا طريق عندما يسلكه امرؤ أو معلم، نكون قد بدأنا جيلاً سليماً ومجتمعاً متعافياً أو خالياً من التعقيدات والمفاجآت الصادمة.
هناك من يروّج للعنف كزعماء الواجهة والوجاهة الفارغة. وهنا أذكر يوماً كنت أزور لبنان وتلقينا دعوة للمشاركة بعشاء على شرف المهاجرين نظمه وزير السياحة وقتها. فاجأنا أحد مرافقيه، اعتبرناه مهاجراً في البداية، جلس معنا على طاولتنا وبدأ يعرّف عن نفسه ويتباهى بمسدس كان يحمله في حزامه محاولاً الاستفزاز. لقد أخجلنا تجاه أولادنا ورفاقنا الفرنسيين. وقد بذلنا قصارى جهدنا لتحويل الأنظار والمناقشات وتجاهلناه كلياً حتى لا تتحول بداية العشاء وهذه البادرة الطيبة إلى فشل تام.
أقل ما يمكننا القول إنه موقف مؤسف وحزين لما وصل إليه خذل البعض الذين لا يعرفون كيفية اختيار أصدقائهم ورفاقهم.
إن هذا العنف الكامن في الأفراد هو الذي يجب أيضاً معالجته تدريجياً والذي يفسد الحياة والنوايا الطيبة للبدء في استعادة هذا الطريق نحو ما عرفناه في الواقع منذ وقت ليس ببعيد بلبنان الزمن الجميل.